إنهُ ليلَذُّ لنا كلما سنحت الفرصة أن نجمع بين هذين الاسمين العزيزين , ونذكرهما متدّحين في كل مكرمة ومأثرة. وقد عرف القراء مساعي الزهور المتواصلة في هذا السبيل , واطَّلعوا على كتابتها الكثيرة في هذا الموضوع. وإنهُ ليروقنا وإيم الحق أن نرى في هذه الأيام الفرَص سانحة للشدو بما نشاهدها من إحكام روابط الإِخاء الأدبي بين القطرين الشقيقين , والتغنّي بما نراه من التضامن بينهما. إن مثل هذا التضامن يظهر عادة بأبهى مظاهره إبّان النوائب والمحن. وقد كان لنا برهانٌ حسبيٌّ على ذلك في هذه السنة , حيث توالت النكبات على سوريا , فهبَّتْ شقيقتها مصر هبّةً واحدة تعطف عليها , وتسكب بلسم التعزية والحنان على جراحاتها. أدمت قنابل الطليان قلب بيروت , فحرّكت المروءة والإنسانية قلب الأمير النبيل محمد علي باشا , شقيق الجناب العالي , فألّف تحت رئاستهِ لجنةً من سراة مصر وأعيانها , فأقاموا في الأوبّرا تلك الحفلة الشائقة التي تُعدّ أجمل صفحةٍ في تاريخ علائق القطرين , فتجلى فيها الكرم المصري بأشرف مجاليه , وإنهال الذهب مدراراً لمؤساة المصابين. وقد خلّدت الزهور ذكر تلك الليلة البيضاء في الكُتيّب الذي أصدرته خصيصاً لهذا الموضوع فقلنا حينئذٍ: ليس لمستزيدٍ من مزيد!. وكان بعد ذلك أن نُكِبَت دمشق بحريقها الهائل , وأصابها من الخسائر ما جعل الناس يحجمون في بداية الأمر عن استنداء الأكفّ للتعويض , إذ ما عسى أن تعوّض المئات والألوف عن الملايين. ثم كتب كاتب مجهول على صفحات الجرائد يقول: كنا نودّ أن نعرف مصراً ثانية تعطف على دمشق عطف مصر على بيروت. . . فكبر مثل هذا القول على مصر , وأبتْ أن يكون هتاك مصر ثانية تُباريها في المكرمات , أو أن يكون يَدٌ تسبقُ يدها في تضميد جراح شقيقتها فهبّت لمساعدة دمشق , هبَّتها لمساعدة بيروت , وقام مقام الأمير محمد علي الموجود الآن في أميركا , أميرُ آخر من الأسرة العلويّة , فالتفّت حولهُ لجنةٌ جديدة