حياة الأمم في آدابها العالية , وبيانها الخالد , بها تنهض , وتسمو , وتماشي الدهر , وبها تستعزّ؛ ولكَم من أمة كفل لها بيانُ لغتها بعثَها بعد أن طوى جهلُ حكامها صحيفة وجودها؛ وفي بعث هذه الأمم التي ناهضت الترك وتناهضهم اليوم في سهول تراقية والروملي خير دليل وبرهان , فلئن هبّ علماءُ الغرب وشعراؤه سنة ١٨٢٠ لنجدة الأمة اليونانية فهم إنما أرادوا بإحيائها إحياء لغة اليونان. فقد ضمنت أقلام كتبة آثينا الذاهبين الخالدين هذا الوجود الحاضر لمن استخلفوهم على لغتهم في ديارهم. فهم بما كتبوه منذ ألفي سنة بعثوا أمة اليونان منذ تسعين سنة. للّغات كالأمم أدوار عزةٍ وانكسار , ولقد زهت لغتا العرب والفرس في أعزّ أيام دولهما؛ فكانت اللغة العربية في القرنين الثالث والرابع للهجرة في أوج عظمتها ورقيّها , وفي مثل ما نرى فيهِ اليوم لغات باريس ولندن وبرلين. فكانت تغصّ أروقة حلقات الدرس في مدنها وهي أشبه شيء بجامعات مدن الغرب الكبرى في يومنا الحاضر بمئات الطلاب القادمين إليها انتجاعاً للعلم , كما تكتظ مدارس عواصم الغرب في هذا العصر بطلاَّب الشرق , ولم أرَ أمة شذّت عن هذه القاعدة غير الأمة التركية لأسباب تضيع في شرحها وتعليلها آراءُ علماءِ الاجتماع. مرت الأمة التركية بدور عزّة وعظمة لم ينقصا في شيءٍ عن عزّة وعظمة أرقى الأمم التي مشت قبلها على وجه هذه البسيطة. فلقد جاءت عشائرها مئات من جبال الأورال في الشمال واجتمعت ملايين عند أسوار فينا. فكانت ككرة الثلج تزداد في تدحرجها ضخامة إلى أن ضعفت فاضمحلت بفعل النواميس الطبيعية , كما اضمحلت