توارد الخواطر أمرٌ معروفٌ بين الناس عامةً , وكلٌّ يروي من هذا القبيل الشيء الكثير مما حدث له شخصياً أو اتصل بهِ عن الغير. على أن توارد الخواطر بين الأدباء كثيراً ما جاء بصورة مدهشة غريبة , فتقرأ الشطرة الواحدة من الشعر , أو الفقرة الواحدة من النثر , لشاعرين أو لكاتبين مختلفين , حتى لتكاد تتصوَّر الواحد قد اقتبس قول الآخر مع أنه لم يتفق له الإطلاع على شيء منهُ؛ وتاريخ آداب العرب حافل بمثل هذه النوادر. وإلى القراء حادثة من هذا القبيل جرت في مصر , واتصل خبرها بحاصد الزهور وهو ينقلها تفكهة للقراء: وضع أحد الأدباء كتاباً عنوانه العرب وأطوارها وأحبَّ أ، يهديه إلى العالم العربي أحمد زكي باشا , فسأل الأديب محمود أفندي عماد أن يصوغ له كلمة الإهداء في بيتين من الشعر , وطلب مثل هذا الطلب أيضاً من شاعر الأمير شوقي بك. فجاءه من الأول هذا البيتان:
إيهٍ ذكيَّ النفس تحيا نسبةٌ ... تنمي إليك ويستحيلُ سرارها
وكذا أرددتُ لما عرضتُ فهذهِ ... عربُ النجادِ وهذه أطوارها
ونظم له الثاني البيتين الآتيين:
أذكيُّ يا ربَّ الفضائل والنهى ... وأجلَّ من يُعزَى إليهِ فخارُها
إن شئتَ تعجبُ بالرجال فهذه ... عربُ النجادِ وهذه أطوارها