للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنتِ تبكينَ يا نجومُ؟ أجابت ... نحنُ في عزلةٍ بهذا الفضاءِ

بينَنا الهجرُ من قديمٍ فلا يغ ... رُرْكَ منّا تقارُبُ الأَضواءِ

كلُّ نجمٍ منَّا يعيشُ بعيداً ... عن أخيهِ تقارُبُ الأَضواءِ

مُحرِقاً نفسهُ بغيرِ انتفاعٍ ... ذاهباً نورُهُ سدىً في السماءِ

قد فهمتُ الذي تقولينَ يا شه ... بُ فأنتنَّ أنْفُسُ الشُّعَرَاءِ

هكذا نورُها يضيعُ بأفقٍ ... نَزَلتْ منهُ منزِلَ الغُرَباءِ

لا تَرَى الأنفُسُ الغريبةُ منها ... ما بها من تَوَقُّدٍ وذكاءِ

فتنيرُ الظَّلامَ حيناً وتمضي ... في ثيابِ الخلودِ نحوَ الفناءِ

[الدكتور نقولا فياض]

شاعر رقيق التشبيب حلو التغزّل , موسيقي التراكيب , تشف معانيه عن شعور دقيق , وينم أسلوبه عن سلامة في الذوق. وهو كشقيقه في مذهبه الشعري حتى أنه لو نظم أحدهما القصيدة ووقعها الآخر لصحت نسبتها إليه

[زهرة بنفسج]

أَهوى البَنَفَسجَ آيةَ الزَّهرِ ... في الشَّكلِ والتصويرِ والعطرِ

وأُحبُّهُ في الأرضِ مُختَبئاً ... وأُحبُّهُ في بارزِ الصّدرِ

ولكلِّ عذراءٍ أُقدِّمُهُ ... ما دامَ فيهِ حياؤُهُ العُذري

لكنْ شَجاني منهُ حادِثةٌ ... أَجرتْ دموعَ عرائسِ الشعر

هيَ زهرةٌ بجوارِ ساقيةٍ ... نبتَت وعاشت عيشةَ الطُّهرِ

لم تدرِ غيرَ العشبِ مُتَّكأً ... وسوى عناقِ الماءِ لم تدرِ

فاستيقظَتْ يوماً كأنَّ بها ... سكراً وقد شَرِبَتَ نَدى الفجرِ

تَبكي جوىً وتَقولُ: ما أمَلي ... لو عِشتُ خالدةً بذا القَفرِ

حسناءُ لكنْ لا عيونَ تَرى ... حُسني , ولا مِنْ عارفٍ قَدري

هلاَّ صَعدتُ إلى ذُرى جَبلٍ ... وبَدلتُ هذا الكوخِ بالقَصرِ

فأَرى الجديد من الوجودِ وما ... تحوي معاني الكونِ من سِحْر

وأُشارفَ الدُّنيا وأجعلَها ... تَطوي مناظرَها على نَشري

قالت , وقامَ بها الهوى فمَشتْ ... في القفرِ مثلَ ظِبائِهِ العُفرِ

والرّيحُ تحملُها وتُقعِدُها ... وتَموجُ بينَ الشَّعرِ والخّصرِ

حتَّى إذا صعَدت وما ابتعدتْ ... وقَفتْ تُجيلُ الطرفَ عن كِبْر

فاستبشرتْ بالفوزِ وانطلقتْ ... تعدو ولا تلوي على أمرِ

وحلا لها السفَرُ البعيدُ , وما ... حسبت حسابَ الحلوِ والمرِّ

الأرضُ مُوعِرةٌ ومُحرِقةٌ ... فكأَنَّها تمشي على جَمرِ

ورفيقها هُوجُ الرياحِ , وقد ... ثارتْ عليها ثورةَ الغدرِ

ترمي بها كلَّ الجهاتِ , فلا ... ترتاحُ من كرٍّ إلى فرِّ

حتى أصابت هضبةً , فإِذا ... فيها نعيمُ العينِ والفكرِ

من تحتِها الجناتُ مشرقةٌ ... بالزَّهر كالأفلاكِ بالزُّهرِ

والناسُ والأشياءُ مائجةٌ ... كالبحرِ في مَدٍّ وفي جزرِ

قالت بدأتُ أرى فواطَرَبي ... لو كنتُ أبلغُ موطئِ النَّسرِ

أعلو إلى قُممٍ تحجّبها ... تلك الغيومُ بحالكِ السترِ

فأرى بديعَ الكونِ تحت يدي ... وأفضَّ منهُ غامِضَ السرِّ

يا للبنفسجةِ الجميلةِ من ... أهوالِ ما قاستْهُ لو تدري

عزَّ السبيلُ إِلى مطامِحها ... في مصعدِ الأشواكِ والوعرِ

وأَصابَ أَرجلَها الضعيفةَ ما ... يمني الحديدَ الصلْبَ بالكسرِ

فتأوَّهتْ نَدَماً ولو قدرتْ ... رجعتْ على أعقابِها تجري

لكنَّها داختْ , وصيَّرها ... خوفُ السقوط كراكبِ البحرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>