للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتشبَّثتْ بالأرضِ مُفرِغةً ... جُهدَ القوى وبقيَّةَ الصبرِ

حتى تسنَّمتِ الذُرى , وغدتْ ... في الأَوج تتلو آيةَ الشكرِ

لكنَّها لم تلقَ , واأسفي , ... في الأوجِ غيرَ جلامدِ الصخرِ

لا عشبَ يَنبتُ في جوانبهِ ... أبداً , ولا أثَرٌ لمخضرِّ

والعاصفاتُ كأنَّها أُسُدٌ ... في الجوِّ تزأَرُ أيَّما زأرِ

والغيمُ ساوى في تلبُّدهِ ... ما بين نصفِ الليلِ والظهرِ

فجثتْ لأوَّل مرَّةٍ , وبكتْ ... كالطفلِ من تَعَبٍ ومن ذُعرِ

والبردُ أفسدَ لونَها كمداً ... من كلّ مزرَقٍّ ومحمَرِّ

فاصفرَّ ذياك الجبينُ , كما ... ذهبتْ نضارةُ ذلك الثغرِ

من قهرِها أنَّتْ , وقد سُمعتْ ... وسطَ الزوابعِ أنَّهُ القهرِ:

يا ليتني لم أصْبُ نحو عُلىً ... وبقيتُ بينَ عرائسٍ الزهرِ

ثمَّ ارتمتْ ضعفاً وأَخرَسها ... شبَحٌ بدا من جانب القبرِ

وتصلَّبتْ أعصابُها , ومضتْ ... بالموت هاويةً إلى القعرِ

مسكينةٌ قد غرَّها شَرَفٌ ... هو كالسَّرابِ لكلّ مُغترِّ

ظنَّتْ بأنَّ لها العلاَء غِنىً ... فإذا بهِ فَقرٌ على فقرِ

ما كان أهنأَها وأسعدَها ... لو لم تُفارقْ ضفَّةَ النهرِ

[اذكريني]

ترجمة قصيدة - لألفرد ده موسه

اذكريني , كلَّما الفجرُ بدا ... فاتحاً للشمسِ قصرَ الذهَبِ

واذكريني كلَّما الليلُ مضى ... راكضاً بين جنودِ الشُّهُبِ

وإذا ما صدرُكِ ارتجَّ على ... نَغَمِ اللذَّاتِ وقتَ الطرَبِ

أو دعاكِ الظلُّ يا ميُّ إلى ... لذَّةِ الأحلامِ عندَ المغربِ

فاسمعي من داخلِ الغابِ صدى ... صارخٍ فيهِ يُناديكِ: اذكري!

اذكريني إِن غدا صَرْف ُالقَدَرْ ... فاصلاً ما بيننا للأَبدِ

يومَ لا تُبقي الليالي والعِبَرْ ... من رجاءٍ لفؤادي الكَمِدِ

واذكري حُبّاً بهِ قلبي انفطرْ ... ووداعاً ذابَ منهُ كبدي

وإذا الحبُّ على القلبِ انتصر ... غلبَ البعدَ وطولَ الأَمَدِ

وأنا ما عِشتُ يكفيني خَبرْ ... منكِ والقلبُ يُناديكِ: اذكري

اذكريني , عندما ما ألقى المَنونا ... ويَضُمُّ ذا القلبَ الكسيرْ

عندما تفتحُ للفجرِ الجفونا ... زهرةُ القفرِ على قبري الحقيرْ

لن تَري من بِعدها ذاك الحزينا ... إِنَّما نحوَكِ روحي ستطيرْ

وبها أبقى على العهدِ أمينا ... جاعلاً حُبَّكِ لي خيرَ سميرْ

واسمعي من جانب القبرِ أنينا ... هاتفاً في ظلمة الليل: اذكري!

[أصابع العاج]

ليس البيانو الذي باتت تُكهرِبهُ ... يداكِ أطوعَ من قلبي وأفكاري

لَمَستِهِ فتمشَّى السحرُ بي , فكما ... تهتزُّ أوتارُهُ تهتزُّ أوتاري

أصابعُ العاجِ هذي تلعبينَ بها ... أمْ تلعبينَ بأسماعٍ وأبصارِ؟

[تامر بك ملاط]

شاعر بليغ فحل , جاهلي الديباجة , سما به شعره إلى طبقة أكابر الشعراء وكاد يكون في طليعتهم لولا أنه أصيب فجأة - وهو عصبي المزاج حاد الذكاء - بمرض في عقله على أثر حادث سياسي لا محلّ لذكره , فاستولى عليه ذهول بات يهيم منه على وجهه لا سلوى له إلا الشعر يقوله متى ثاب إليه رشده فيأتي فيه بالبديع المطرب. وفي القصيدة التالية وصفه لنفسه في حالة مرضه:

[الشاعر المريض]

دعاني أجْزَعِ الغَمَّا ... فَجفني بالأَسى نمَّا

وخَلاَّني أُصيحابي ... وسهمُ الغدرِ قد أصمى

<<  <  ج: ص:  >  >>