كان رجلٌ يكثرُ الطعامَ على العشاء , فإذا نام غطَّ غطيطاً هائلاً , وشخر شخيراً متواصلاً , فيقلق زوجتهُ , فتوقظهُ ليُغيّر ضجعتهُ ويريحها من غطيطه , فكان يغضب ويجادلها قائلاً: ما أنا غططتُ وشخرتُ , بل أنتِ فتصمتُ , وتصبرُ على مصيبتها حتى عيل صبرها وفارقها جلدها. فعمدتُ أخيراً إلى حيلةٍ تحجُّهُ بها , وتقنعْهُ عساهُ أن يُقَلّلَ من نهمتهِ , ولا يغطّ في نومهِ. فجاءَتهُ ذاتَ يومٍ , وبيدها الفونوغراف , وأدارتهُ وقالت: أتعلم ما هذا الصوت؟
فقال: هديرُ البعير , بل نهيقُ الحمير , لا بل قباعُ الخنزير , بل مواءُ السنانير , بل طنين الزنانير.
وكان كلما أدارت مرّةً , غيَّر حكمهُ في الصوت؛ وهي تقول لا حتى ضاق صدره. فقال: قولي لي ما هو , وأريحيني , من هذه الأصوات المنكرة التي تملأُ الجسمَ رعدةً وقشعريرة. قالت: هذه أصواتُ شخيرِكَ التي صبرتُ عليها الأعوامَ , ولم تصبر عليها أنتَ لحظةً من الزمان. فقد وضعتُ الفونوغراف فوق رأسك وأنتَ نائمٌ , فدوَّنَ ما أنتَ سامع. فإِذا أيقظتُك بعد الآن , فاترك الحِجَاجَ والجدال , وارثِ لحالتي , واطلب إلى اللهِ أن يُصبّرني على مصيبتي. فسكتَ خجلاً , ثمَّ أطرقَ هُنيهة وقال: اثنان لا بّدَّ من تركها: النهمةُ على العشاء , ومجادلة النساءِ