للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرَّت كمثلِ الخشفِ مذعورة ... لمَّا رأت في مفرقي مِخْذَمك

وصارتِ النظرةُ لي حسرةً ... تقولُ للطرفِ: أفِضْ عَنْدَمك

وما كفى يا شيبُ حتى لقد ... فضحتَ أسرارَ مَنِ استكْتَمك

أيُّ خضابٍ لم يكن ناصلاً ... عنكَ ولو بالليلِ قد عَمَّمك

فليتَ أيَّامَ شبابي التي ... أرقتَها غَدْراً أراقت دَمك

وأنتَ يا ظبيَ النقا ما الذي ... أغراكَ بالهجرِ , ومَنْ عَلَّمك؟

ما لبياضِ الرأسِ حكمٌ هنا ... لكن سوادُ الحظِّ قد ألزَمك

لو لم يُغِرْ هذا على لونِ ذا ... لم تجْفُ ذا الشيخَ وما اسْتَخْصَمك

ما خلتُ أن ترضى بنقصِ الوفا ... واللهُ بالحُسن لقد تَمَّمك

يا ربِّ , ما طالَ زمانُ الصِّبي ... كأنُه طَيفٌ سرى وانْهَمك

وهكذا الأيَّامُ تُطوى بنا ... سُبحانكَ اللهمَّ ما أعظَمك!

رضيتُ يا ربّي بما ترتضي ... فلا تخيّبْ مُذْنباً يَمَّمك

وأنتَ يا شيبيَ خُذْ بي إلى التق ... وى عسى الرحمنُ أن يَرحَمك

[مناجاة شاعر]

سَلُوها لماذا غَيَّرَ السُّقْمُ حالَها؟ ... تُرَى شُغِفَتْ حُبّاً وإلاّ فما لها

تبدَّلَ ذاكَ الوَردُ بالوَرسِ , وانطفئ ... سناها , وَرَقَّتْ فَهْيَ تحكي خِيالها

أظِنُّ هوى الغزلانِ قد هَدَّ حَيْلَها ... فإِني رأيتُ الرّيمَ يوماً حِيالها

تُناجيهِ سِرّاً وَهْيَ في زِيّ والهٍ ... فخلتُ أخاها كان أوكان خالها

فيا حُبُّ غَلْغِلْ في صميمِ فؤادِها ... ويا ربِّ لا تُعْطِفْ عليها غَزَالها

ولكن أرِحْها بعضَ حينٍ فإِنني ... شمتُّ بها والقلبُ يأبى زوالها

ومَنْ حَبَّ لم يُبْغِضُ ولو حَبَّ هاجراً ... فقد رَقَّ قلبي مذ رأيتُ هِزَالها

عسى أنَّها مِن بعد أن ذاقتِ الهوى ... تنوحُ على مَنْ كان يهوى جَمالها

وتذكرُ إِذ كانت وللحُسن عزَّةٌ ... نَرَى مُهَجَ العُشَّاقِ صَرْعَى قِبالها

فتبكي زماناً فيهِ أبكت بصدِّها ... عُيوناً تَوَلاَّها الأسى فأسالها

وَلعْتُ بها حيناً من الدهرِ لم أفُز ... بساعةِ لطفٍ كنتُ أرجو نَوَالها

ولو عَطَفَتْ يوماً عليَّ بزورةٍ ... لَقَبَّلْتُ حتى بالعيونِ نِعالها

وكم غربةٍ قاسيتُ من أجلِ حُبّها ... أجوبُ الفيافي سهلَها وجِبِالها

ولولا الهوى ما هام في الكونِ واحدٌ ... ولا فارقَتْ أُسْدُ العرينِ دِحالها

وقلتْ لقلبي وهو يذكرُ عهدَها: ... رُوَيْدكَ هذي بُغيةٌ لن تنالها

تركتْ هواها واشتغلتُ بغيرِها ... ومَنْ قَطَعَتْ حَبلي قَطَعْتُ حِبالها

[محمد رضا الشبيبي]

هو أحد أعلام الشعراء في العراق العربي. وأديب من أشهر أدباء النجف مشى في نظمه مشية من تقدمه من أكابر الشعراء في تلك البلاد ونهج مناهجهم فجاء بالشعر مطيب النفس , مرصف اللفظ , متين التركيب , يذكر بشعر العصر العباسي الزاهر

[في سبيل الشرق]

لم يَبقَ لي إلاَّ الشَّبابُ , وإِنَّهُ ... دِيباجةٌ ضَمنَ الأَسى إِخلاقَها

نزلت بثهلانَ الهمومُ فلم يُطِقْ ... حتَّى نزلنَ بكاهلِي فأَطاقَها

وكرهتُها , ومِنَ الغرائبِ أَنَّني ... لشديدِ إِلفتِها كرهتُ فِراقَها

أشتاقُ أطّرحُ الهمومَ ويقتضي ... ظَمأِي إلى الآلامِ أن أَشتاقَها

يشكو الصَّبابةَ كلَّ يوم مُدَّعٍ ... وأحقُّنا دعوىً بها مَنْ ذاقَها

<<  <  ج: ص:  >  >>