أسدلَ الطرفَ كاهِنٌ ومليكٌ ... في ثَراها , وأرسلَ الرأسَ خفضا
يُعرَضُ المالكون أسرى عليها ... في قيود الهوان عانينَ جَرضى
مالَها أصبحتْ بغير مُجيرٍ ... تشتكي من نوائبِ الدّهر عضَّا
هيَ في الأسرِ بين صخرٍ وبحرٍ ... مَلْكةٌ في السجون فوقَ حضوضى
أين هوروسُ بين سيفٍ ونطعٍ ... أبهذا في شرِعهم كان يُقضي؟
ليت شعري! قضى شهيدَ غرامٍ ... أم رماهُ الوشاةُ حِقداً وبُغضا؟
رُبَّ ضربٍ من سوطِ فرعونَ مضٍّ ... دونَ فعلِ الفراقِ بالنفسِ مَضَّا
وهلاكٍ بسيفِهِ وهوَ قانٍ ... دونَ سيفٍ من اللواحظِ يُنضى
قتلوهُ فهل لذاك حديثٌ؟ ... أين راوي الحديثِ نثراً وقرضا؟
شيمةُ النيل أن يفي , وعجيبٌ ... أحرجوهُ فضيَّعَ لعهدَ نقضا
حاشَهُ الماءُ فهو صيدٌ كريمٌ ... ليتَ بالنيلِ يومَ يسقطُ غيضَا
شيَّدوا المال , والعلومُ قليلٌ ... أنقذوهُ بالمال والعلمِ نقضا
[نكبة بيروت]
على أثر ضرب الأسطول الإيطالياني لمدينة بيروت
تليت في الحفلة التي أقيمت في مصر برئاسة دولة الأمير محمد علي باشا شقيق الجناب الخديوي لمساعدة منكوبي تلك الحادثة:
يا ربِّ أمرُكَ في الممالك نافذٌ ... والحُكمُ حكمُك في الدَّمِ المسفوكِ
إِن شئتَ أهرقْهُ , وإِن شئتَ احمِهِ ... هوَ لم يكن لسواكَ بالمملوكِ
واحكمُ بعدلك , إِنَّ عدلَك لم يكنْ ... بالممتَرَي فيهِ ولا المشكوكِ
ألأِجْلِ آجالٍ دَنتْ وتهيَّأتْ ... قدَّرتَ ضربَ الشاطئِ المتروكِ
ما كان يَحميهِ ولا يُحمي بهِ ... فُلُكانِ أنعمُ من بواخرِ كوكِ
هذي بجانبها الكسيرِ غريقةٌ ... تهوي , وتلكَ برُكنها المدكوكِ
بيروتُ , مات الأُسدُ حتفَ أُنوفهم ... لم يَشهروا سيفاً ولم يحموكِ
سبعون ليثاً أُحرقوا أو أُغرقوا ... يا ليتهم قُتلوا على طبروكِ
كلٌّ يصيدُ الليثَ وهو مقيَّدٌ ... ويعزُّ صيدُ الضيغمِ المفكوكِ
يا مَضرِبَ الخيَم المنيفةِ للقرى ... ما أنصفَ العُجْمُ الألى ضرَبوكِ
ما كُنتِ يوماً للقنابلِ موضعاً ... ولوَ أنَّها من عسجدٍ مسبوكِ
بيروتُ , يا راحَ النزيلِ وأُنسَهُ ... يمضي الزمانُ عليَّ لا أسلوكِ
الحسنُ لفظٌ في المدائنِ كلِّها ... ووجدتُهُ لفظاً ومعنىً فيكِ
نادمتُ يوماً في ظلالِك فتيةً ... وسموا الملائكَ في جلالِ ملوكِ
يُنسون حَسَّاناً عصابةَ جُلَّقٍ ... حتى يكادَ بجلّقٍ يفديكِ
تاللهِ ما أحدَثتِ شرّاً أو أذىً ... حتَّى تُراعي أو يُراعَ بنوكِ
أنتِ التي يحمي ويَمنعُ عِرضَها ... سيفُ الشريفِ وخنجرُ الصعلوكِ
أن يجهلوكِ فإن أُمّكِ سورِيَا ... والأبلقَ الفردَ الأشمَّ أبوكِ
والسابقينَ إلى المفاخر والعُلى ... بَلْهَ المكارمَ والنَّدَى أهلوكِ
سالت دماءٌ فيكِ حولَ مساجدٍ ... وكنائسٍ ومدارسٍ وبُنوكِ
كنَّا نُؤمِّلُ أن يُمَدَّ بقاؤُها ... حتى تبلَّ صدى القنا المشبوكِ
لكِ في رُبى النيل المبارَكِ جيرةٌ ... لو يقدرون بدمعِهم غَسَلوكِ
يكفيكِ بُرءاً للجراحِ ومرهماً ... أنَّ الأمير محمَّداً يأسوكِ
لو يستطيعُ كرامُ مصرَ كرامةً ... لمحمَّدٍ بقلوبهم ضمدوكِ
هو في ابتناءِ المجد صورةُ جَدّهِ ... أذكرتِ إبراهيم في ناديكِ؟