عشيَّةَ يومٍ وقد أخذت عين الشمس المحمرَّة تغمض وتذبل , وقف الحسون على غصت صفصافةٍ قد تدلَّت أغصانها فوق جدول ماءٍ صافٍ؛ حيث اصطفت على ضفتيهِ الطيور على تباين أشكالها واختلاف أجناسها قال الحسون وقد سرَّهُ ائتلاف إِخوانه الطيور حول ذاك الجدول , تستقي من مائهِ , ومن ثمَّ تتفيأُ بظلّ تلك الصفصافة دون أدنى حسد أو تنازُع: إخواني , كنت ظننتُ أن تفاوت طبقاتكم وأجناسكم يحدث بينكم شيئاً من القلاقل والمشاغب , ولكني والحمد لله رأيت خلاف ما ظننت , فكأن تعدد مشاربكم , وتشتت جماعاتكم , وتباعد مساكنكم , كل هذا لم يكن إلاَّ دافعاً لكم لتسلكوا سبيل الألفة والمحبة , فضلاً عن أنكم سمحتم لمثلي أنا ابن الشعب الصغير فيكم بأن أعظكم كأنني عظيمكم , فالمولى يوفقكم وينميكم ويرزقكم بُرّاً وماءً. أما عظتي التي أعددتها لمثل هذا الاجتماع لتلقي على مسامعكم في أوَّل هذا الفصل فهي: ترون ولاشك أن الربيع قد برز بحلته وظهر بحسن طلعته؛ وأخذت أنفاسه المنعشة تمرُّ مقبّلةً مباسم الزهور , وزهور الثغور. وأخذتم أيضاً تشعرون بالواجب عليكم , وأنه يقتضي علينا أن نمزّق جماعاتنا المتحدة أفواجاً ونتفرَّق اثنين اثنين؛ بحيث نتألف أزواجاً تصفيق أجنحة