على مسافة فرسخين من قرية ألبي إحدى قرى كالابريا فوق رابية صغيرة كنت ترى بيتاً قديم البنيان في وسط بقعة خضراء، وهو يشرف من الغرب على القرية المذكورة، ومن الشرق على غابات كثيفة وكان يسكنه قرويان - جاكوبو وامرأته حنة - عُرفا عند العامة بتقواهما وبرّهما. على أنه كان في القرية أناس يزعمون أن في الزوايا خبايا ويؤكدون أنهم كثيراً ما نظروا رجالاً من ذوي الشبهات مدججين بالسلاح يطوفون ليلاً حو هذا البيت المنفرد ويدخلون إليه من باب سري ثم ينسلون منه باكراً ويتوارون في الغابات. ومما كان يؤيد هذه الإشاعات أن جاكوبو كان يرصد بابه عند غروب الشمس فلا يقبل زيارة أحدٍ من أهالي القرية. فكان ذلك مدعاة لزيادة الريب والظنون.
وفي الواقع لو أتيح لهؤلاء دخول هذا المنزل في إحدى ليالي شباط لأصبح ظنهم يقيناً وزعمهم رواية صدق. فإنك كنت ترى في إحدى القاعات بضعة عشر رجلاً شاكي السلاح بأزياء مختلفة جالسين ول طاولة عليها قطيع من اللحم المشوي وبالقرب منهم برميل يستقون منه خمراً فيأكلون ويشربون بشراهة. وكان جالساً على أحد طرفي الطاولة رجل يناهز الثلاثين من عمره تنم ثيابه وهيأته على انه زعيم هذه الجماعة. وكان بالقرب منه فتاة لا تتجاوز العشرين ربيعاً بديعة الجمال، رشيقة القد مدمجة المفاصل، قلما ينظر لها شبيه بين القرويين. وكانت علامات الحزن باديةً على محياها وهي تنظر إلى رفيقها ببعض الحنو. أما الباقون فكانت قد لعبت برؤوسهم حميا الخمرة فأخذوا ينشدون ما طاب لهم ويقهقهون بأعلى أصواتهم حتى اشتد اللغط. وكثرت الضوضاء. فصرخ بهم زعيمهم: