للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أملي]

في هزيع ليل من ليالي الخريف وقد نبا بي مضجعي، تحاملت متماسكاً متمالكاً إلى نافذة من مخدعي، أرسل صعداء أحرجت صدري، وأعالج نجية هم أسهرتني. وكانت الليلة قمراء والهواء بليلاً بطيء الإسراء، والسكوت سائداً مالئ العمار والخلاء، لا داب يمرح ولا طائر يسيح، وقد هجع الناس آمنين في أسرابهم، ونام الخليون ملء أجفانهم، فلا يسمع غير حفيف الأشجار، ووقع الأوراق تتساقط من على الأغصان تساقط دمع حزين جازع أو عاشق ضارع تساقطاً له رجع لطيف عذب شجي اضطرب له الوجدان فتحركت الأشجان، كأنما يد الحنان طرقت أبواب الفؤاد، أو أن أنامل الصبابة تمشت على أوتار الجنان. فشعرت من نفسي استئناساً بتلك الوحشة، وارتياحاً إلى تلك العزلة، كأن بينهما حديثاً يتساقطانه أو نجوى يستسرانها ولكنها نجوى ليست من لغة يراع أو إنشاد شاد، إنما هي ذات لغة طلية عذبة حلوة لا تدركها غير مشاعري ولا يفهمها سوى فؤادي.

فلبثت أنتقل ببصري إلى ما حوت الأرض من كائنات مرئية، والسماء من أجرام فلكية ولكل منها مع النفس نجوى تطربها، وسمر لطيف يشجيها. حتى قضى بي التجوال إلى البدر، وقد برز من خبائه بعد طول الصبر. وأقبل سابحاً في فضاء السماء، جائلاً بين بدائع الأفلاك بعزة وخيلاء تحيط به النجوم احتراماً وإجلالاً، وتتمشى الكواكب بخدمته

<<  <  ج: ص:  >  >>