إن للنفس لنزعات تختلف باختلاف عواملها , وكأنها أمام تلك العوامل لوحة الصوَر المتحركة تنطبع عليها صوَر بما تتلوها وهكذا. فهي مسرح تتعاقب عليهِ روايتنا السرور والابتهاج والوحشة واليأس , فبينا ترى المرء يهتز اليوم طرباً إذ تراه في الغد ينقبض غماً , وما الحياة التي حارت في تكييفها الإفهام إلا مجموعة لمختلف تلك المظاهر. أما تذكارات أويقات البشر والإيناس فإنها تبدد عن النفس المحزونة غياهب الكرب وتقشع سحب الاكدار , إذ هي فجر السرور يطرد ليل الهموم فيجعل للإنسان من ضيقه فرجاً ومن وحشته أنساً. وأحسن تلك التذكارات لغة للفؤاد في أويقات الفرح يرنّ صداها في الوجدان فتلقي على مشاعر النفس معنى السعادة. السعادة خيال ما تحقق لإنسان , وسراب قصده الناس فتقطعت بهم الأسباب فرضوا من الغنيمة بالإياب , وعندي أنها في وادي الحقيقة اسم لغير مسمى. وما السعادة الحقة إلا في جولان خاطر الشاعر في مسارح الخيال حيت يكون بطلاً لروايات مختلفة , فطوراً يرى نفسه كأنهُ المحب وافاه حبيبه في غفلة العيون , وطوراً بهيم بالطبيعة فتتجلى له في أبهى حللها , وطوراً يترقب طلعة البدر فيظهر له قوسه من وراء خط الأفق المرئي تعلوه طبقة من ذهب ابريز فيستعطفهُ ليملي عليهِ كثيراً من معاني الخيال , وطوراً يرى من ظلام الليل شريكاً له في وجده , وفي هاطل المطر تقديراً لكمية مسكوب دمعه , وفي وميض البرق شبهاً لخلب أمانيه , وفي طرف النجم ذكرى ليل الأماني , وفي أشعة الصباح صورة الأمل الوفر , وفي مجرى الغدير جلال الخيال؛ وطوراً يحب الجمال حقيقة؛ وطوراً يحبهُ خيالاً. لا شيء أروح للنفس المحزونة من أن ينشر أمامها مطويّ صفحات رقصت عليها ريشة الخيال فجاءت صوَراً ما وُجد أبدع منها في معرض الحياة. تلك صوَر الشعر