وعن سعيها لتكلله بالنجاح. وجاد لها المحسنون في مصر أيضاً بمبلغ غير يسير فأنشأت ذلك البناء الفخم الذي أشرنا إليهِ في فاتحة هذا المقال , وجعلته كلّية للبنات يتعلمنَ فيهِ العلوم على أنواعها , ويترَّبينَ فيهِ التربية الفضلى. ومن المأثور عن هذه المرأة أنها كانت فاضلة بكل قوة هذه الكلمة. فقد حدثتنا عنها حضرة الآنسة اميليل بدر - والآنسة بدر رفيقة مس كايل ويدها اليمنى في عملها المجيد خلال خمسة عشر عاماً - أنها كانت متصفة بكل الأخلاق الطيبة التي أنت تحببها إلى تلميذاتها اللواتي كنَّ يحترمنَ فيها الرئيسة المرشدة , والأم الحنون العاقلة معاً. وبلغ من حب تلميذاتها لها أنهنَّ كنَّ يتسابقنَ إلى خدمتها وفاءً لسابق جميلها عليهنَّ فكانت إذا انتدبت إحداهنَّ لعمل ما لا تجد منها إلا اندفاعاً لإتمام ذلك العمل.
وقد طالما أحوجتها مساعدة في التعليم لسبب من الأسباب فكانت السيدة هند عمون , والآنسة سلمى خشف - وكلتاهما من متخرجات مدرستها - تلبياتها إلى ما تريد حباً وكرامة. ولو أن مس كايل اضطرت إلى معونة كل تلميذاتها لرأتهنَّ جميعهنَّ هند عمون وسلمى خشف. ذلك هو بلا ريب عنوان التربية المثلى والأدب الصحيح. أما هي فكانت تعامل الطالبات معاملة الأم لبناتها فلم تكن تميز نفسها عنهنَّ بشيء ولا تفرق بينهنَّ لأمر من الأمور. ولما أنشأت الكلية كان في الفرقة الأولى خمس أوانس انقطعت أربع منهنَّ عن المدرسة لأسباب عائلية فجعلت مس كايل من الخامسة وحدها - وهي الآنسة نجلا داغر - فرقة لذاتها تعطى حقها من العلم اعتباراً للأسبقية التي كانت لها على سائر التلميذات وفي ذلك ما فيهِ من الأنصاف والعدل. وخلاصة ما يقال أن النهضة الأدبية النسائية في مصر قد فقدت , بفقد مس كايل , يداً نشيطة كانت تدفعها إلى الأمام , وعاملاً قوياً كان يساعدها على الترقي والانتشار. وما أجمل الفكرة التي رآها بعض ذوي الفضل إذا اقترحوا نصب تمثال هذه السيدة في باحة كلتها بغمرة تخليداً لفضلها واعترافاً بحميلها , وإن تكن تلك الكلية نفسها أثرا خالدا بحسناتها وأياديها الفراء.