كتبها ولي الدين في طفلة له رآها تحتضر وهي في الشهر الثالث من عمرها
أَقصرتْ عنكِ وسائلُ العناية , وخابت في استبقائكِ آمال القلبين المشفقين اللذين طال خفوقها عليكِ في الليالي الطويلة. وها أنتِ اليوم على وشك التوديع. لم تتعلمي ما يقولُ المودّعون , لأنكِ لم تبلغي سنَّ القول. ولستِ تفهمين ما يُقال فيكِ , لأنكِ لم تصلي إلى زمن الفهم. أشفقتُ عليكِ من أُوجاع تُحسّين بها ولا تُدركينها. ثلاثةُ أشهرٍ , كثلاثِ طرفاتٍ بالجفن , مضت وكأنها لم تكن. ليت الشفاهَ التي لامست قبلاتها تينك الوجنتين الذابلتين جفّت قبلَ أن تكونَ ممرّاً للتأوُّهِ. . .! وليت تلك الأنفاس التي سرتْ على وجهكِ الغضّ التهبت في أحشائنا قبل أن تنقلب زفرات. . .!
أعددتك ذخراً , وإذا بكِ مسلوبة. ظننتكِ لي , فإذا بكِ للثرى. لهفي عليكِ إذ تذهبين , ولم تري من سطوري ما يكون لكِ عظةً من بعدي! بل لهفي علىَّ إذْ أَستندي عيونَ النيّرات بمصراعٍ ارتجلهُ , وأنا أطلبُ اليومَ فيكِ كلامَ الرثاءِ , فلا تساعفني المعاني. إن يخطئكِ الحمام , وهيهات ما أظنهُ فاعلاً! فقد أبقى لي الدهرُ أملاً كاد يزمع الرحيل. وإنْ يأخذكِ كما أخذ أجدادَكِ وجدَّاتكِ من قبل , فقد أسرعتِ في قطع طريق يتظالع في قطعها الخلائق.