بل هو الحبُّ الذي قد ضمَّهُ ... كلُّ قلبٍ بالغَرامِ اضطرَما
فتراهُ العينُ في العينِ إذا عاشقانِ التقيا فابتَسما
[نقولا رزق الله]
شاعر بالطبع , متصرف في فنون الشعر , جيد الحبك , رائق الحبك , رائق الأسلوب , مليح الديباجة , يرمي في شعره على اختلاف مواضيعه إلى حكمة بالغة أو عبرة اجتماعية. ينظم في كل وقت بين ترجمة رواية أو إنشاءِ مقالة أو إدارة عمل , فيكاد لا يجفّ لقلمه حبر , وهو مع ذلك لا يشكو مللاً ولا يبالي تعباً.
[الشعر والشعراء]
هل عَرفتُم لعَاشِقٍ ... عَشِقَ الأرضَ قلبُهُ والسماَء
تقطَعُ البَرَّ منهُ لحظةُ عَينٍ ... حينَ يجتازُ فكرُهُ الجوزاَء
يُصلحُ الحسنُ عندَهُ كلَّ خُلقٍ ... فيُسوّي الأَحياَء والأشياَء
شَبَّ مُذْ شَبَّ عاشِقاً لا يُبالي ... حِكمةً كانَ عِشقُهُ أم خَطاَء
عَشِقَ الرَّوضَ والغياضَ وأزها ... رَ الرَّوابي والأغصُنَ الخضراَء
وصِغارَ النجومِ تَبدُو وتخفي ... والدَّراري والقبَّةَ الزَّرقاَء
وفضاَء البحارِ , والسُّحبَ تحكي ... سُفناً تحتها تشقُّ الماَء
وسكون الدُّجى كأَنَّ الكرى ألْ ... قى عليهِ معَ الظلامِ غطاَء
هامَ بالغابِ زانَها الشَّجرُ العا ... لي وَزانَ الفضاَء والصَّحراَء
يسمعُ الوحشَ والطيورَ فيهوي ... كلَّ صوتٍ كأنَّ فيهِ غِناَء
أيُّ تاجٍ يُتوِّجُ الغابَ في ك ... لِّ صباحٍ يُزالُ عنها مَساَء
دررٌ من أِشعَّة الشَّمس صِغتْ ... ملأَتها مَهابةً وبَهاَء
وإِذا الشمسُ بالحِجابِ توارتْ ... تكتسي الغَابُ حلَّلةً سوداَء
تحتَها تَنضوي الطيورُ فتُمسي ... دُونَها كلُّ جَنَّةٍ غنَّاَء
إِنَّ في الغابِ للقَوافي عَروساً ... جَمَّةَ الحُسنِ تفتُنُ الشُّعراَء
تَتراَءى فلا يَراها سِواهم ... وَهيَ ليست لغيرِهم تتراَءى
ولذا يَرتجي مِنَ الزَّمَنِ الشَّا ... عِرُ لو أنهُ يُجيبُ رَجاَء
عيشةً في الخلاءِ لا عيبَ فيها ... غيرَ أنْ ليسَ يسمعُ الضوضاَء
حيثُ لا خُبثَ في الهواءِ ولا في ال ... تربِ والماءِ يجلبُ الأدواَء
حيثُ لا رزقَ كلمَّا رَكَضَ المر ... ءُ مُجدّاً وراَءهُ يتناَءى
فهْوَ ما بينَ خوفِ سَبقٍ وكدٍّ ... كغريقٍ يُصارِعُ الأنواَء
لا تَطيبُ الحياةُ إِلاَّ لمن يه ... ربُ منها ويهجُرُ الأَحياَء
ليتَ شِعري متى أرى شُعَراَء ال ... شرقِ يوماً بفضلِهِم أَغنياَء
ورثوا مَن تقدَّموهم فنالوا ... شرَّ إِرثٍ مَذلَّةً وشَقاَء
بين هجوٍ كالسبِّ أو هوَ أدنى ... ومديٍ تَعدُّهُ استجداَء
عُوِّدوا الذُّلَّ فالكبيرُ كبيرٌ ... فيهمِ حينَ يَسأَلُ الكُبراَء
ليسَ كالمالِ للقرائحِ سُمٌّ ... حينَ يلهو بَيعاً بها وشراَء
إِنَّما الشعرُ للنفوس غذاءٌ ... أَفَسَدُوهُ فصيَّروهُ هذاَء
يتبعُ الشِعرُ أهلَهُ فامتهاناً ... وابتذالاً أوْ عِزَّةً وإِباَء
أيها الشَّاعِرُ , اتَّقِ اللهَ واذكُرْ ... أَنَّ للشِعرِ حِكمةً عَلياء
كُنْ دليلاً إلى سبيلٍ سويٍّ ... ومَناراً يُبدِّدُ الظَلماَء
ثمَّ لا تَنْسَ موطِناً كان يوماً ... لكَ كالأُمِّ نِسبةً ونَماَء
فاحترمْ عهدَهُ وعهدَ بينهِ ... ثمَّ عَلّمْهمُ كذاك الوَفاَء