تَفتِنُ لكنْ لستَ تدْري الفِتَنْ ... كذاكَ يُؤْذي كلُّ شيءٍ حَسنْ
بهذهِ الروحِ وهذا البدَنْ ... تَلقي مِنَ الناسِ سِهامَ الضَّغنْ
لله ما أظلمَ تِلك السهامْ! ... ألم تُصِبْ غيرَ فؤادِ الغرامْ؟
تغفرُ جُرْمَ الناسِ إِنْ أجرَموا ... وتحملُ الظُّلمَ ولا تظْلمُ
قد غنِموا منكَ , ولا تغنَمُ ... منهم , ولو تَعْلَمُ ما أعْلَم
خاصمَتهم عَذلاً , وإِنَّ الخُصامْ ... أعْدَلُ ما يحبو الكرامُ اللئامْ
أبكيكَ أمْ أَرثيكَ؟ هلْ نافعُ ... دَمعٌ ونَوْحٌ والقَضا واقعُ؟
هذا شقاءٌ ما لهُ دافِعُ ... اسمعْ فإِنَّ اللهَ لي سامعُ
قُلْ: أيُّها الأرضُ عليكِ السَّلامُ ... تحيَّةٌ بالدَّمعِ لا بالكلامْ
[حافظ بك إبراهيم]
يقول الشعر , في كل مكان يتفق له فيه أن يخلو بنفسه , ومن عادته دخول حديقة الأزبكية بعد الظهر طلبا لتلك الخلوة , ولا يختلط عليه الفكر خلال الضجيج المحيط به. يتعب في قرض قريضه تعب النحات الماهر في استخراج مثال جميل من حجره يؤثر الجزالة على الرقة وله فيها آت يطرق الموضوع في الغالب من جوهره وربما نظم أكثر الأبيات قبل المطلع شأن الصانع القدير الذي يبدأ بأصعب مت بين يديه آمنا أن تهن عزيمته دون الإجادة بعد ذلك عالماً أن الكلام لابدّ أن تأتيه في أي مقام طيعاً ولو بعد حين.
حاضر المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتخير نفائس مفرداتها وأعلاق حلالها.
إذا صبّ البيت في قالب من العروض أعاده نغماً على سمعه مستشيراً بذلك ذوقه عن طريق إذنه وطالما صدقته الآذن بنصيحتها. أما تغنيه فبدوي أخذه عن الشيخ عبد المحسن الكاظمي وطريقته أن ينطق بالكلمات ملحنة تلحيناً ساذجاً من إطالة في الحروف المعتلة
ووجفة في القرار كرة أربعة أنفاس وتقتضب. له غرام باللفظ لا يقل عن الغرام بالمعنى. وفي أقصى ضميره يؤثر البيت المجاد لفظاً على المجاد معنى. فإذا فاته الابتكار حيناً في القصور لم يفته الابتكار حيناً في التصوير. أولع بالاجتماعيات فقال فيها وأجاد ما شاء.
كبير الآمال عاثر الجد تجد على أكثر منظومه أثراً من ألم النفس أو مسحة من الشكوى وتحمل بعض حروفه من بثه ما يلذع لذع النار الكامنة في غير متقد. فهو على الجملة أحد الثلاثة الذين هم نجوم الأدب العربي في مصر لهذا العصر ولكل من تلك النجوم منزلته وإضاءته وأثره الخالد.
أما شعره فشعر البيان وإن من البيان لسحراً
خليل مطران
[الأم مدرسة]
كم ذا يُكابدُ عاشقٌ ويُلاقي ... في حبِّ مصرَ كثيرةِ العشَّاقِ
إِني لأحملُ في هواكِ صبابةً ... يا مصرُ , قد خرجت عن الأطواقِ
لهفي عليكِ! متى أراكِ طليقةً ... يحمي كريمَ حماكِ شعبٌ راقِ
كلِفٌ بمحمودِ الخِلالِ , متيَّمٌ ... بالبذلِ بين يديكِ والإِنفاقِ
إِني لتُطربني الخِلالُ كريمةً ... طرَبَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقِ
ويهزُّني ذكرُ المروَءةِ والندى ... بين الشمائلِ هزَّةَ المشتاقِ
ما البابليَّةُ في صفاءِ مزاجها ... والشربُ بين تنافسٍ وسباقِ
والشمسُ تبدو في الكؤوسِ وتختفي ... والبدرُ يشرقُ من جبين الساقي
بألذَّ من خُلُقٍ كريمٍ طاهرٍ ... قد مازجتهُ سلامةُ الأذواقِ