بلغ من بغضيَ للشعر أن صرتُ أعرض عن سوانح معانيه في لوامع قوافيه. القاعد بالجدود عن منازل الشرف , المتواكل بالعزمات عن بلوغ نهايات الأرب. إحدى فتن الخيال. تجري بها البدائة فتتلقَّاها مسامعُ بالقبول , وتتلقاها مسامعُ بالملل أبعدْ به وبطلاّ به. يتهادى أمراءُ الذَّهب بين شوار وبين سبلندِدْبار تُساقِط أعطافهم الجنيهات , ويطوفون حول معاهد الصبوة في عواصم الغرب من مُنْتْ كارلو إلى مُنْتْ كارلو. ثم يأوون إلى بيوتٍ كثرت فيها الديكة والحمائم , ثمَّ يصبحون في لزباتهم يهبون المال في دعاوي ومخاصماتك فطلاق وزواج وميراث وشركة يتخلل ذلك كله لعب الورق واستشارة الوكيل وإدلال الكاتب , وما أدراك ما الكاتب , وبيع الأطيان واقتراض المال. بدرانٌ تفيض العسجدَ , وتنفجر عن ذوب اللُّجين , والشاعر يريد أن يبيع ديوانهُ بقرصٍ من الطعميّة فلا يجد مشترياً , والكاتب يعرض دفاتره مجَّاناً فلا يرى قارئاً فسبحان الله! عَلَمٌ من أعلام العراق. هو أبو القصائد المحبَّرة والقوافي المحكمة. نزيلٌ بمصر , مقيمٌ في دار حزنه يعالج أيامهُ , ويعاني شدائدها وليس بمصر مَن يقول له أين أصبحتَ أيها الأديب العظيم؟ أحمد مفتاح رجلُ البلاغة , يموت ويدفن ولم تكتب خبر وفاته جريدة من الجرائد فيما علمت. ومحمد إمام العبد وهو شاعر مجيد يوُسّدُ بالأمس التراب , ولا يتقدَّم أحد ليقيم له ليالي مأتمه. وفي بلاد الغرب يصنعون التماثيل للشعراء , ويسمّون بأسمائهم الشوارع والدوارع , ويجعلون لميلادهم ولموتهم أياماً في كل سنة هي بمنزلة أيام الأعياد. ويقولون بمصر: الدستور والجلاء والمؤتمر , وتكتب الجرائد ليحيَ وليسقط. من يحيى ومن يسقط أيها المساكين؟