للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكل أمريء في هذه الأمة موضع يميّزه؛ والناس في درجاتهم متقاربون. وليس رجلٌ ينكره معارفه , ويتجافاه أقرب أقاربه إلاّ الأديب. فهو إذا برَّز على أقرانه حسدوه , وإن أقصر عنهم حقّروه , وإن ولج جمعاً جالت فيهِ أبصار المستهزئين. وله في خلقه أناسٌ يفخرون بملابسهم , وليست بصنع أيديهم , ولا أنسجتها من نسجهم , ولا أثمانها من كسبهم , ولا زينتُها تجمل ما قبح من أشكالهم. أولئك يطاؤون الهامات , ويذلّون الرقاب , ويتهادون في كل مزدحمٍ , تهاديَ الكواعب الرُّود في الوشي والبرود. طواويسُ الرجال يقضون طوال الأعوام في ديوان الحياة , ثم يخرجون منهُ كما تخرج الأنعام من تحت السقائف , لا متزودين ولا مستخلفين. إلى حيث ألقت رحلها! ننظر إلى الكتاب

المطبوع بإحدى اللغات الأجنبية فنرى مكتوباً على جلدهِ: الطبعة العشرون والطبعة الخمسون وأكثر من ذلك. وقد يكون عدد نسخ الكتاب , في الطبعة الواحدة , عشرة آلاف على الأقل , وليس في الشرق كتاب طُبع مرَّتين إلاّ نادراً أو ما كان متضمناً للمجون. وجرائدنا يأكل مشتركوها أثمان اشتراكهم فيها , ويكتفي قرّاؤها بنسخٍ يأخذوها من المشتركين , أو يقرأونها في القهوات. قرأها أشهراً وأياماً. وأغرب منهم من جاءته جريدة الجامعة العثمانية وهي جريدة كانت تنشرها الجامعة العثمانية وهي بيروت , وتعطيها من دون ثمن , ويُكتب على غلافها مجاناً فردَّ الرجل الجريدة بعد أن كتب على غلافتها بالعربية والفرنساوية مرفوضة. رفضَ الفضل ورفض الكرامة. لا طال ذنب زمانه! ولم يخجله كرَمُ الذين أحسنوا بها عليهِ إحساناً لم يقع على مستحقّهِ ومثل هؤلاء المخلوقات كثير بيننا ولا فخر!

<<  <  ج: ص:  >  >>