يموت أدباؤنا , وتُطفأ أنوار المعاني في عقولهم , وتبقى بيوتهم خاليةً وأجدائهم دائرة , وليس فينا من تحدّثهُ نفسهُ بأن ينقّبَ عن آثارهم , وينشرَ للأمة ما طويَ من معارفهم إقراراً بفضلهم , وتخليداً لذكرهم , واستفادة من آثار قرائحهم. ونحاول بعد ذلك أن نجاري الأمم أو أن نُشبه عباد الله. ما أكبرَ جهلنا بأقدارنا , وما أبعدنا عن مواضع الأنصاف. لا أديبُ العراق أجدتهُ فرائده , ولا الأستاذ مفتاح هنأته بلاغته , ولا أمام العبد أغناهُ شعره. وأنَّ نسخة من قصة القاضي والحرامي أو قصة دليله المحتالة لأحبُّ إلى عامّتنا , وأشهى إلى خاصبّتنا من درر هؤلاء العظماء وجواهرهم , وأدعى للشجون ثم أبعثُ للطرب من قصائدهم وقصولهم. سقاهم الله! رعاهم الله! عاشوا مظلومين. وأودعتْ بطون المقابر كنوزاً يتباهى بأمثالهم ملوكُ الأرض. يروى أنَّ بعض الانكليز يقول لو خُيّرنا بين أن نخسر الهند كلها أو نخسرّ شكسبير لاخترنا خسارتنا للهند , ولأبقينا شاعرَنا عوضاً عنها ونحن ماذا نقول؟ نقول لتحيَ الديكة والحمائم , أم نصيح ليحيى الدستور؟؟ أنا لنطمعُ اليوم في أن ننال ما لا يتاح نا إلاّ بعد خمسين عاماً فمَثلنا مَثل جماعة من العميان قيل إنّهم ركبوا أحدَ المعابر القوارب ليعبروا النيل. فقال قائلهم: هل لكم في الخروج من المركب من غير أن تدفعوا أجراً؟ قالوا بلى. قال: إذن فاسمعوا لما أقول. إذا قارب المعبرُ الشاطئَ صاح النوتي. فلّق. فثِبُوا هنالك وثبةَ رجلٍ واحد , وتفرَّقوا هرباً , واعلموا أنهُ لا يترك معبرَهُ ويعدو وراءكم. فقبلوا المشورة. وكان النوتيُّ يسمع المؤامرة وهم لا يشعرون.
فلما توسّط النهر صاح. فلّق فوثبَ العميان فوقعوا في البحر وغرقوا. وأني لأخشى أن ينادينا الغرورُ نداءَ النوتيّ فنغرق غرق العميان. الأمة في حاجة إلى نوابغها غرباءُ بينها , والصوت الأرنّ والقول