ونَبيهةُ الكبرى ترافِقُنا ... مجهودةً ضجَّتْ من التَّعَبِ
ولها صُويحبةٌ توافِقُننا ... حسناءُ كلَّ الحسنِ في أدَبِ
ضَحَّاكةٌ كالنَّورِ في الزَّهَرِ ... رقَّاصةٌ كالغُصْنِ في الوادِي
كرَّارةٌ كنَسيمةِ السَّحَرِ ... ثرثارةٌ كالطائِرِ الشادِي
صنَعتْ بقلبي صُنعَها فإِذا ... هو يُنكرُ القرُبى ويجحدُها
تَركَ الهوى الأهليَّ واتَّخذا ... تلكَ الغريبةَ عنهُ يعبدُها
وكذاكَ قلبُ الطّفلِ يلتَفِتُ ... إِنْ يُلفِ حُبّاً غيرَ ما ألِفا
كالطائر البَيتيِّ ينفَلِتُ ... تَبعاً لسانحةٍ بهَا شُغِفَا
حُسْنٌ تملَّكني فأدَّبني ... ما شاَء في قولي وفي فِعلي
وبمثلِ لَمْحِ الطَرْفِ اكسبَني ... خُلُقاً , وعلَّمني على جَهلي
أوحى إليَّ دَداً أُجرّبُهُ ... في آيةِ من فطنةٍ وَدَدِ
فجمعتُ صلصالاً أركِّبُهُ ... وصنعتُ تمثالاً لها بيَدي
صوَّرتُ شبِهَ الفَرخُ في وكرِ ... من غَيرِ سَبقٍ لي بتَصويرِ
فأتى على ما شاَءهُ فِكرْي ... ورضيتُ عن خَلقِي وتقديري
ما كانَ ذاكَ الفرخُ مُعجزةً ... فتَّانةً الإِتقانِ والحُسْنِ
كلاَّ! ولم أجعلْهُ معجزةً ... لكفاَءةِ الحذَّاقِ في الفنِّ
فلَرُبَّ عينٍ فيهِ لم تَكُنِ ... في الحقِّ غيرَ مظنَّةِ العَينِ
ومظلَّةٍ للزغبِ لم تبنِ ... حتى ولا ريشُ الجناحَينِ
ولعلَّ ذاكَ العِشَّ لم تَفِرِ ... فيهِ شروطُ الوضْعِ والنقشِ
لكنْ على حلمٍ من النَّظَر ... تُستامُ فيهِ معالمُ العِشِّ
رسمٌ على تلكَ العُيوبِ بدا ... لحبيبتي من أعجَبِ العجَبِ
فتناولتْهُ برقَّةٍ وغَدا ... بين الصواحبِ أنفسَ اللِّعَبِ
أمُحيِّري الأحلامِ بالهرَمِ ... وبُناةَ بابلَ فتنةِ الحقُبِ
ومهندسي اليونانِ من قِدَمِ ... والفُرْسِ والرُّومان والعرَبِ
ومشيِّدي بَغدادَ والجسْرِ ... وممصِّري الأمصارِ للبدوِ
ومزخرِفي الحمراءِ والقَصْرِ ... حيثُ انتهىَ بهِمِ مَدى الغزوِ
إِي رافئيلُ , المبدعَ الصُّورا ... أي ميِكَلنجُ , الناقشَ الباني
أي كلَّ فإنٍ تاركٍ أَثَرا ... من طابعِ التخليدِ في فانِ
لا تستعزَّ بكم روائِعُكم ... ممدوحةً في الشرقِ والغربِ
أتَرونَ كم صَغُرَتْ صنائِعُكم ... في جَنْبِ ما صَنَعَتْ يدا حُبّي
بدليل أنَّ حبيبتي فرِحتْ ... بهدَّيتي وقَضَتْ لها عَجَبا
ومضتْ تُداعِبُها وما اقترحتْ ... شيئاً يُتمّ لها بها أرَبا
يومٌ تقضَّى , والفراقُ تلا ... سرعانَ ما وافى وما انصرما
بهوىً تولَّدَ فيهِ واكتهلا ... في ساعتَيهِ وشاخَ وانعدما
ولَّى , وأبقي في دُجى الماضي ... شفَقاً بعيداً واضحَ الأثَرِ
كم أَجتليه وراَء أَنقاضِ ... وأقولُ: يا أَسفي على سَحَرِي!
هذي حكايةُ حالةٍ عَبَرتْ ... واستُغرِقَتْ في لُجَّةِ المِحَنِ
ما زلتُ أُنقذُ كلَّما ذُكِرَتْ ... قِطَعاً طَفتْ منها على الزَمَنِ
فإذا صفاءُ النفسِ عاوَدَني ... وأقرَّني فوقَ التباريحِ
دَالَ الهوى الأهليُّ من حَزَنْي ... وبقيتُما رَيحانَتي رُوحي
إلى أبنائنا
رجال الغد
يا سِبْطَ يَحيى , وسَليلَ العُلى ... حيَّى الرِّضي طالِعَكَ المجتَلي
وسَلَّمَ اللهُ الوليدَ الذي ... هلَّ , فمَا أبهى وما أجملا!