كأنَّ ذّوبَ العاجِ صلصَا لُهُ ... وأنَّ معنى الحبِّ ما مَثَّلا
ناهيك بالعينَينِ من قوَّتَيْ ... ذِهنٍ , ومن نُورَيْ حِجيً أُرسِلا
كحسنهِ الحسنُ إذا ما غَفا ... وذِيدَتِ الأعيُنُ أن تغفَلا
مُحرِّكاً في نومهِ تغَرَهُ ... كأن في الرُّؤيا رضاعاً حَلا
لا الحلَلُ الغرَّاءُ من هَمِّهِ ... ولا يُبالي باهراتِ الحلي
جَذلانُ من نَشوةِ أحلامهِ ... وأينَ منها نَشَواتُ الطِلي
تَراهُ قُرباً , وكأنَّ الكرى ... يحملُهُ فوقَ السُهى محمَلا
كطائرٍ يظهرُ تحليقُهُ ... بمظهرِ الترجيحِ ممَّا عَلا
فإِنْ صحَا فالدَّهرُ عَبدٌ لهُ ... يُرضيهِ مطواعاً , وإِلاَّ فَلا
وكلُّ حَيٍّ فمنوطٌ بأنْ ... يفهمَ ما يَهوى وأن يَفعلا
سِيَّانِ في اللطف وفي الظرفِ ما ... أَساَء من أمرٍ ومَا أجَملا
لهُ , ولا الناسِ عِلْمُ الذي ... يَرى ويستحسنُ أن يُعمَلا
وحَولُهُ الحَولُ , فإن يفتَتِنْ ... فسِحرُهُ السّحرُ ولَنْ يُبطلا
أنِلْهُ ما شِئتَ فكيفَ اشتهى ... تحويلَهُ من فَورهِ حُوّلا
فليَكُنِ المفتاحُ ثَدياً جَرى ... بالكوثرِ العذْبِ كما أمَّلا
ولتَكُنِ السَّاعةُ جِنّيَّةُ ... تُديرُ في داخِلِها مِقوَلا
وليكُنِ الكرسيُّ إِن حَثَّهُ ... قطارَهُ ينساقُ مستعجِلا
وكلُّ ما شكَّلَهُ فليكُنْ ... مَهما عَصى الطبعَ كما شكّلا
يا وَلداهُ أسعد , وعِش , واغتنْمْ ... مِنَ السُّرورِ المغنَمَ الأجزَلا
لكنَّ دَهراً جئتَ فيهِ أبى ... عليكَ أَن تركَبَ مُستسهلا
أدبرَ بالشَّرقِ , ولا يبتغي ... إلاَّ بأمثالِكَ أن يُقبلا
اليومَ لا تعقلُ , لكنْ غَداً ... تكونُ ممَّن سَلفُوا أَعقَلا
ما اليومُ , ما القابلُ؟ هذا مضى ... بِنا ولم نَشعرْ , وهَذا تلا
اسْمَعْ شكاتي فهي أن لم تُفِدْ ... حالاً ففيها النَّفعُ مستقبَلا
كان لنا مَجدٌ نزلنا بهِ ... مِن السَّماواتِ العُلى منزلا
لا يُنكَرُ منَّا إِذا ... قُلنا غّداةَ الفَخرِ: نحنُ الأُلى!
وكانَ منَّا كلُّ ذي مِرَّةٍ ... إِن صالَ فرداً كسَرَ الجحفلا
وكانَ منَّا كلُّ ذي فطنةٍ ... يكاشِفُ الوحيَ , ويَهدي المَلا
وكانَ منَّا كلُّ حامي حِمىً ... لا تطرُقُ العُصْمُ لهُ مَعِقلا
وكانَ مُلكُ الأرضِ مُلْكاً لنا ... وحُكْمُنَا في الأُمَمِ الفيصَلا
لكنَّهُ عِزٌّ مضى وانقضى ... يذَنبِ مَن خانَ ومن أَهمَلا
تراكمتْ أغلاطُنا آخذاً ... بعضٌ ببعضٍ فانتهينا إلى. .
ولا أُسَمّي مُنتهانا , فقد ... يؤثَرُ بعضُ الشيء أن يُغْفَلاَ
واحربا! بتنا وما شائِنا ... إلاَّ اعتذارٌ يُشْمِتُ العُذَّلاَ
وما تبقَّى غيرُ أبنائِنا ... تعزيةً للنفسِ أو مأملا
عساهُمُ أن يُصِلِحوا بعدَنا ... ما أفسدَ الظُلاَّمُ منَّا. . ألا. . .
أي نلَ يحيى , أن يجئْ عهدكم ... ردُّوا على الأوطانِ عِزّاً خلاَ
أنَّا نُرَجّي جيلَكُم كلَّهُ ... أن يَتِرَ المجدَ ول يخملاَ
فَمَنْ دعا يومئذٍ , واجدٌ ... فينا عديدَ الخيرِ مُستكمَلا
الراجلَ الجَلْدَ الذي لا يضهي ... عَزْمٌ لهُ , والفارِسَ الأبسلا
والعالِمَ المثمرَ تعليمُهُ ... أجْملَ ما علَّمَ أو فصَّلا
والوالدَ البَرَّ بأَبنائهِ ... يُرخِصُ في تأديبهم ما غلا