لا حديث للقوم واهتما لهم إلا بأخبار الحرب الدائرة رحاها بين الدولتين العثمانية والإيطالية، والصحف السياسية تواصل القراء صباح مساء بأنباء آخر ساعة. وأصحاب الغيرة الوطنية يدعون ذوي المروءة إلى بذل الدرهم والتطوع للذود عن حياض الوطن ومقاطعة الطليان في صناعاتهم ومحصولاتهم، ولست أدعو أحداً من قرائي إلى أمرٍ أحجم عنه، فإني لا أخشى أن أقول أخشى على فخارتي أن تحطما ولكن هناك مقاطعة لغوية لا تجارية أحب أن أكون رافع لوائها. لم أعرف قطراً عربياً تفشت لغة الطليان في لغة قومه تفشيها في لغة وادي النيل، وإن كانت الألفاظ العربية المشتقة من الطليانية وأمها اللاتينية ليست بالشيء القليل، على أن شيوعها في مصر بلغ التطرف. فإذا جلست في قهوة تسمع المصري الصعيدي الذي يبيع الخبز ينادي عيش فينو وبائع الحلوى يجيبه طازة فريسكا وبائع العصفور التيان يصرخ بكافيكا إلى غير ذلك كالفراولة واللامبا والبنا وإذا انتبهت إلى حديث الشبان الذين على آخر مودة لا تسمع إلا: كنت في التيرو (يعني صيد الحمام) وذاهب إلى التياترو وأمثال ذلك. وإذا كنت في بيتك ساعة الظهيرة تسمع فجأة صوتاً يشق الفضاء روبافكيا يعني ملابس عتيقة للبيع. أما التجارة فتكاد لا تجد فيها مسمى غير إيطالي