للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مختارات الزهور]

[إسماعيل صبري باشا]

أكثر ما ينظم فلخطرة تخطر على باله من مثل حادثة يشهدها أو خبر ذي بال يسمعه أو كتاب يطالعه. ولما كان لا ينظم للشهرة بل لمجاراة نفسه على ما تدعوه إليه , فالغالب في أمره أنه يقول الشعر متمشياً , وربما قاله بحضرة صديق وهو مائل عنه بعنقه. وله بين حين وحين أنة بمثل ما تنطق لفظة ايه مستطيلة ينظم المعنى الذي يعرض له في بيتين عادة إلى أربعة على ستة , وقلما يزيد على هذا القدر إلا حيث يقصد قصيدة وهو نادر. شديد النقد لشعره كثير التبديل والتحويل فيه حتى إذا استقام على ما يريده ذوقه من رقة اللفظ وفصاحة الأسلوب أهمله ثم نسيه. وهكذا يمرّ به الآن بعد الآن فيجيش في صدره الشعر فيرسل بيتيه إطلاق زوجي الطائر فيذهبان في الفضاء ضاربين من أشطرهما بأجنحة ملتمعة , شاديين على توقيع العروض إلى أن يتواريا وينقطع نغمها من عالم النسيان.

ذلك هو الشعر للشعر

خليل مطران

[فرعون وقومه]

لا القومُ ولا الأعوانُ أعواني ... إِذا ونى يومَ تحصيلِ العُلى وإنِ

ولستُ إِنْ لم تؤيّدني فراعنةٌ ... منكم بفرعونَ عالي العرشِ والشانِ

ولستُ جبَّارَ ذا الوادي إِذا سلمتْ ... جبالُهُ تلك من غاراتِ أعواني

لا تقربوا النيلَ إِن لم تعلموا عمَلاً ... فماؤُهُ العذْبُ لم يُخلَقْ لكسلانِ

ردُوا المجرَّة كدّاً دونَ موردهِ ... أو فاطلبوا غيرَهُ ريّاً لظمآنِ

وابنُوا كما بَنَتِ الأجيالُ قبلكمُ ... لا تتركوا بعدَكم فخراً لإِنسانِ

أَمرتُكم , فأطيعوا أمرَ رَبّكمُ ... لا يَثنِ مُستمِعاً عن طاعةٍ ثانِ

فالمُلكُ أمرٌ وطاعاتٌ تُسابقُهُ ... جنباً لجنبٍ إلى غاياتِ إِحسانِ

لا تتركوا مستحيلاً في استحالتهِ ... حتى يُميطَ لكم عن وجه إِمكانِ

مقالة قد هَوَتْ من عرش قائلها ... على مناكب أبطالٍ وشُجعانِ

مادَت لها الأرض من ذُعرٍ , ودان لها ... ما في المقطَّمِ من صخرٍ وصوَّانِ

لو غيرُ فرعونَ ألقاها على ملأِ ... في غير مصر لعُدَّتْ حُلمَ يقظانِ

لكنَّ فرعونَ إن نادى بها جبلاً ... لبّت حجارتُهُ في قَبضةِ الباني

وآزرتْهُ جماهيرٌ تسيلُ بها ... بطاخ وادٍ بماضي القومِ ملآنِ

يبنون ما تَقِفُ الأجيالُ حائرةً ... أمامهُ بين إِعجابٍ وإِذعانِ

من كلّ ما لم يَلِدْ فكرٌ ولا فُتِحَتْ ... على نظائرهِ في الكون عَينانِ

ويُشبهونَ إِذا طاروا إلى عمَلٍ ... جنّاً تطيرُ بأمرٍ من سُليمانِ

برّاً بذي الأمرِ , لا خوفاً ولا طمعاً , ... لكنَّهم خُلقوا طُلاَّبَ إِتقانِ

أهرامُهم تلك , حيِّ الفنَّ متَّخذاً ... من الصخورِ بروجاً فوق كيوانِ

قد مَرَّ دهرٌ عليها , وهي ساخرة ... بما يُضَعْضعُ من صَرحٍ وإِيوانِ

لم يأخذ الليلُ منها والنهارُ سوى ... ما يأخذ النملُ من أركان ثهلانِ

كأنها - والعوادي في جوانيها ... صَرعى - بناءُ شياطينٍ لشيطانِ

جاَءت إليها وفودُ الأرض قاطبةً ... تسعى اشتياقاً إلى ما خلَّدَ ألفاني

فصغَّرت كلَّ موجودٍ ضخامتُها ... وغضَّ بنيانُها من كلّ بُنيانِ

وعادَ مُنكِرُ فضلِ القومِ معترفاً ... يُثني على القوم في سِرٍّ وإِعلانِ

تلك الهياكلُ في الأمصار شاهدةٌ ... بأَنهم أهلُ سبقٍ , أهلُ إِمعانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>