ترك الأوَّلون من البشر للإخلاف كثيراً من الخيرات , وخلَّفوا لهم وافراً من الشرور؛ وقد مرَّ الدهرُ تلوَ الدهرِ , وجاءَت أجيال خلف أجيال , وتلك الشرور ثابتة لم تزحزحها العقول , ولم تمتنع عليها النفوس؛ بل كأنَّ السعيد الفائز من الإخلاف , هو المحتفظ الضنين بذلك التراث , فإذا ما تأملنا في أبديَّة هذه الأسواء وشبهِ إزاليتها , وجب علينا أن لا ننظر إلى محافظة الأجيال على تلك التركة المباركة بنظر التهاون , وأن لا نجعل علَّتها التصادف , بل يجب أن نحني الرأس قليلاً أمام ما هنالك من المجهولات التي اقتضت هذا الأمرَ , عسى أن يُفتحَ لنا بابٌ من أبواب العلم بعد تأدية هذه السجدة سجدة الاعتراف بوفرة أسرار الكون وعظمتها , وليس ما يخفي على أكثر البشر إلاّ من الأسرار. ولقد اختلف كثيراً نظرُ المفكرين في الموازنة بين الخير والشرّ , ومآل الأقوال كلها إلى ثلاثة: من يرى أن البشرّ أكثر , ومن يرى أن الخير أغلب , ومتوسط يرى أن بين الخير والشر تعادلاً مع رجحان خفيف لجانب الخير. يقول مغلّبو الشر: ألم ترَ أيها الإنسان إلى كثرة الأمراض , ووفرة الأحزان , وشدة العدوان , وغلبة الحرمان , وشيوع الشكوى , وعموم البلوى؟. . . ألم ترى كيف يقلُّ أولو اليسار حتى يستطاعَ عدُّهم , وكيف