يكثر المعسرون حتى يفوقوا العدّ , ويعيَ عن لحاقهم المقدار؟. . ألم ترَ كيف يشبع الجهل حتى يصعد كل تلعة , ويهبط كل واد , ويدخل كل بلدة , ويزور كل بيت , ويحلّ كل دماغ , وكيف يتقاصرُ العلم , ويتقلص ويختبئ وينطوي حتى تُشَدَّ إليهِ الرحال , وتُحملَ في سبيله الأثقال , وتُبذل في التفتيش عليهِ الأموال , وتُنفق فيهِ السنون الطوال , حتى إذا ما اهتدى الطالبون إلى جنابه , وجدوا حوله طائفة من الحواجز , فيرجع بأكثرهم الملل والضجر واليأس , وما يفوز باقتحام تلك الحواجز إلا قليل من الطالبين , وما الطالبون بكثير. . . ألم ترَ إلى العقول السليمة - على قلَّتها - كيف يؤذيها الجهل المُجذِر بما اخترع من حكايات وتهاويل , وكيف يسمُّها العلم الأبتر بما وضع من شروح وتآويل؛ وإلى النفوس الكريمة كيف يقزّزها ظهور القبيح وإذاعته , وكيف يؤلمها خفاء الجميل وإضاعته؟. . . وانظر إلى الشهوات كيف تطغى ولا تقف عند حد , وكيف قضت علينا بالاستمرار في النصب؛ وانظر إلى قلة
من تألفه النفس , وإلى كثرة ما يحول مع هذا بينها وبين إلفها , وإلى ما يصيبها بعد هذا كله من سهام الفراق , وما يعروها بسببه من الجوى؛ وتأمل في قصر الآجال مع طول الآمال , وقلة المعاضدين مع كثرة المعاندين , وضعف الوسائل مع قوة الرغائب , وتهجم الظلمات مع تحجب النور؛ وارمِ ببصرك إلى كثرة الزمني والمبرسمين وأرباب العاهات , ولا تتغافل عما يرافق العجز والاحتياج من المهانة , وللإحساس بالمهانة آلام