تمرُّ آناً مترنحاً فرحاً، وآونة متأوهاً نادباً، فنسمعك ولا نشاهدك، ونشعر بك ولا نراك. فكأنك بجرٌ من الحب يغمر أرواحنا ولا يغرقها، ويتلاعب بأفئدتنا وهي ساكنة.
تتصاعد مع الروابي وتنخفض مع الأدوية وتنبسط مع السهول والمروج. ففي تصاعد عزم، وفي انخفاضك رقة، وفي انبساطك رشاقة. فكأنك مليكٌ رؤوفٌ يتساهل مع الضعفاء الساقطين ويترفع مع الأقوياء المتشامخين.
في الخريف تنوح في الأودية فتبكي لنواحك الأشجار، وفي الشتاء تثور بشدة فتثور معك الطبيعة بأسرها، وفي الربيع تعتل وتضعف، ولضعفك تستفيق الحقول، وفي الصيف تتوارى وراء تقلب السكون فنخالك ميتاً قتلته سهام الشمس ثم كفنته بحرارتها.
لكن - أنادباً كنت أيام الخريف أم ضاحكاً من خجل الأشجار بعد أن عرّيتها من ملابسها؟ أغاضباً كنت أيام الشتاء أم راقصاً حول قبور الليالي المكلسة بالثلوج؟ أعليلاً كنت أيام الربيع أم محباً أضناه البعاد فجاء يصعّد بالتنهيد أنفاسه على وجه حبيبته الطبيعة لينبهها من رقادها؟ أميتاً كنت أيام الصيف أم هاجعاً في قلوب الأثمار وبين جفنات الكروم وعلى يبادر القش؟
أنت تحمل من أزقة المدينة أنفاس العلل، ومن الروابي أرواح