وفتوحات الترك تقصر نصيبها من إرث السلطة الرومانية الشرقية على لقب وشعار؛ والعنصر السافي , بوجه الإجمال , ضعيف الشأن , خامل الذكر لا يُعبأ بهِ , ولا يكترث له. وها هي الآن بعد ثلاثة مئة سنة من حكمهم على ما ترى: فإنهم ما اكتفوا بالمحافظة على ما ورثوه واسترداد ما اضطرّتهم الأحوال إلى التنازل عنهُ في بداية ملكهم , بل زادوه كثيراً بما ضموا إليهِ من الأملاك الواسعة في أوربا وآسيا وأميركا. على أنهم عادوا فباعوا ولا يتهم الأميركية للولايات المتحدة , كما باعت فرنسا من قبل ولاية لويزيانا , ومع ذلك فمساحة روسيا الآن تناهز ثلاثة أضعاف ما كانت عليهِ في أوائل القرن السابع عشر , عدا
الإمارات المستظلة بظلها والمناطق الداخلة في نفوذها. ومما يزيد هذه المساحة قيمة كونُها قطعة واحدة من الغرب إلى الشرق. فإن روسيا , من هذا القبيل , لا يضارعها سوى الصين والولايات المتحدة. أما الصين فانحطاطها لم يدع لها شأناً بين الدول ولسنا نظن أن مستقبلها يكون خيراً من ماضيها إذا اقتصرت عوامل الإصلاح على تغيير هيئة الحكومة ونظاماتها فإن مثل هذا التغيير ما كان يوماً دواءً شافياً لأمراض الضعف والانحطاط. وكفى بمصير البلاد العثمانية اليوم شاهداً. وأما الولايات المتحدة فمساحتها تسعة ملايين كيلومتر حال كون مساحة روسيا اثنين وعشرين مليوناً. نعم أن الولايات المتحدة مزية عظيمة على روسيا بالنظر إلى الموقع الجغرافي ووحدة الأمة وقابلية البلاد للعمران ولكن ما دامت دفة السياسة في يد أهل القارة القديمة فشأن روسيا أعظم وأرجع. أما البحر الأسود فقد أصبح بحيرة روسية لا ينازعها فيهِ منازع بفضل كاترين التي بسطت يدها على ساحله , ونقولا الذي دافع عتهُ دفاع الجبابرة , واسكندر