الذي فك القيود وجدد فيهِ المعاقل والحصون رغم الأنوف. وما قيل عن البحر الأسود يقال عن البحر البلطيقي وقد قامت عاصمة الروس على ساحلهِ تفاخر رصيفتها الأسوجية فتفخرها على حداثة عهدها وترسل إليها مع كل موجة ذكرى بطرس الأكبر قاهر كرلوس الثاني عشر ومؤسس عظمة الدولة السلافية على أنقاض الدولة السكندينافية. أما بولندا فقد أمّحت من سجل الدول وكاد الانتصار لها لا يتعدَّى حركات كحركة المسيو فلوكه الصائح في وجه الإمبراطور اسكندر الثاني على سبيل الاحتجاج عند زيارتهِ باريس: لتحي بولندا يا مسيو! على أن فلوكه هذا هو نفسه الذي تغدى فيما بعد على مائدة الإمبراطور نقولا الثاني في بطرس برج ناسياً بولندا والبولنديين. لكن كيف كانت الحال فالأولى بالاحتجاج أن يوجّه إلى النمسا لأنهُ إذا كان اغتصاب الروس لبولندا ينم على الطمع فاغتصاب الساسة النمسويين لها لا ينم عن الطمع فقط بل عن قلة الوفاء ونكران الجميل أيضاً فإنهُ لا يخفي على أحد أنهُ لولا بولندا لباتت فيانا مرتعاً لخيل الترك ونالها منهم ما نال غيرها من العواصم التي فتحوها , ولا يزال النمسويون يحفظون حتى اليوم في بعض متاحفهم جمجمة يزعمون أنها جمجة قره مصطفى وهو الوزير الذي وقف عند وعيده لولا المعونة التي جاءتهم من بولندا. وقد أكبر النصارى كلهم يومئذٍ عمل البولنديين وتغنّوا بهِ في كل مكان وكلَّف البابا نقّاشاً من خيرة
النقاشين ان يخلد ذكراه على الرخام ويزّين بهِ كنيسة ماري بطرس في رومية. أما الترك فقد حقدوا على بولندا من أجل ذلك فكانوا أو من فكَّر في تقسيمها واقترحوه على روسيا قبل أن يخطر ذلك ببالها ولم تقدم عليهِ إلاّ فيما بعد بإلحاح النمسا وبروسيا. أما الهواجس التي جاءت من جانب الترك فما لبثت حتى زالت وتلاشت ولم