إِدراك الأوليَّات , نحو كل جسم موجود في مكان , وكل تغير حادث في زمان , وكل حادث له سبب وما أشبه من البديهات التي لا تفتقر إلى برهان , ولا يختلف فيها اثنان. كذلك من أعمال الضمير ما هو بديهي لا يحتاجُ إلى شروط وسائط , كالرغبة في الخير والابتعاد عن الشرّ , تسديداً لمطالب الناموس الأدبي , الأمر بعمل الخير , واجتناب الضير. فمن آثر لشرَّ على الخير يسيء لنفسهِ أولاً ويضعف صوت ضميره , لعدوله عن سبيل الحق المنير وتسكعه في ظلمات اغرور. وقد يحو بين الضمير والحقيقة حجابٌ من نسيج الجهل , أو فاصل من مادة المآرب الشخصية , أو غشاءِ من ظلمة التهوُّر في دنايا الدنيا فينجح المرءُ إلى الشر بدلاً من الخير , ويشتري الضلالة بالهدى , ويسقط من أوج الفضيلة , إلى أقصى دركات الرذيلة , وبئس المصير , مصير المنافقين. أمَّا المستقيم في أعماله , الصادق في أقواله , المتحلي بحلي الفضائل السالك في منهج الكمال , فله من راحة ضميره الحيّ سرورٌ لا يحيط به الوصف , ولا يقوى على تبيان محاسنه البيان. سرور لا يدانيه في التأثير جمال المناظر الطبيعية , ولا عذوبة الأنغام الموسيقية , فلا غرو إِن قيل. إِن الضمير صوت الله في الإنسان.