وليس الضمير أثراً لملكةٍ استحكمت في الأذهان بالتكرار , ورسخت في النفوس مع تمادي الأدهار , ولا مما تدعو إليه قوَّة الوهم , أو صلاح المعيشة , أو حبُّ السلام , فإن هذه عللٌ متباينة في ذاتها , فضلاً عن تفاوت الأشخاص , في الميل إليها , والاستعداد الفطري لقبولها , فمعلوماتها تكون مختلفة في الماهية ومتعدّدة , والضمير لا يتعدّد في الإنسان , ولا تتفاوت ماهيته باختلاف الأحوال والأزمان. وقد خط بعضهم الضمير مع البواعث الأدبية كالميل للرحمة , وإيثار العدل , وحبّ الحقيقة. هذه البواعث هي غرائز أدبية , ضرورية لإرشاد الإنسان ولاسيما في حالته الأولى , حينما كان حجاب الجهل مسدولاً , وهي تظهر في هيئات خصوصية معدودة , وأفعال محصورة محدودة , ولا تتضمن واجباً كالضمير , فضلاً عن أنها كثيراً ما يعارض بعضُها بعضاً , فهي مفتقرة إلى قانون يُنظّمها: تعطف الغنيَّ عواطفُ الشفقة على الفقراء وتدفعهُ لمساعدتهم , ولربَّما جنح بعضهم من جراءِ ذلك إلى الخمول , فانقطع عن العمل , متربعاً على بساط الكسل , فتكون الرحمة لمثل هؤلاء ظلماً , والإحسان إليهم إِساءةً وجرماً. وكثيراً ما تكون الرحمة واجبة , حيث العقاب ضروري اقتضاءً للعدل؛ فإن
كان العدل مجرّداً , لا دخل للمحبة فيه , تعذَّر وجود الرحمة. لذلك لابدَّ لهذه البواعث من شروطٍِ تجب مراعاتها , ونظام تجري عليه , حتى الحقيقة فإنها لا تقال في كل الأوقات. والضمير يشابه العقلَ في بعض أعماله: فإنَّ من أعمال العقل