أيهذا القارئُ اللبيب , في شكٍّ مما أقول توهماً منك أن رجلاً كالطغرائي الذي يقولك
أصالة الرأي صانتني عن الخطَلِ ... وحلية الفضل حلّتني لدى العطلِ
لهو أعقل وأدهى وأمتن وأرصن من أن يسترسل على مثل هذا الهذر والفضول , فإليك أبياتهُ بحرفها الواحد تقرأها فتزداد يقيناً:
بالله يا ريح إن مُكّنتِ ثانيةً ... من صدغهِ فأقيمي فيهِ واستتري
وراقبي غفلةً منه لتنتهزي ... لي فرصةً وتعودي منه بالظفرِ
وباكيري وِرد عذبٍ من مقبّلهِ ... مقابل الطعم بين الطيب والخصرِ
ولا تمسّي عذاريهِ فتفتضحي ... بنفحة المسكِ بين الوِرد والصدرِ
وإن قدرتِ على تشويش طرَّتهِ ... فشوشيها ولا تبقي ولا تذرِي
ثم اسلكي بين برديهِ على مهلٍ ... واستبضعي وانثني منهُ على قدرِ
ونبهيني دون القوم وانتفضي ... عليّ والليل في شكٍّ من السحرِ
لعلَّ نفحة طيب منكِ نائبةٌ ... تقضي لبانة قلب عاقرِ الوطرِ
ولقد صار - جنابهُ العالي - مثالاً حسناً جرى عليهِ بعدهُ كثيرون , وفي جملتهم المرحوم فرنسيس مراش الحلبي. بل زاد هذا على طنبوره نغمة أخرى إذ قال:
نسيم الصبَّا عن سرتِ بين نهودها ... خذي ليَ غرفَ الياسمين وعرّجي
وإن ترفعي ذاك اللثامَ فتلثمي ... لماها فبالله اذكري قلبيَ الشجي
ومن العجيبِ أنَّ أحد هؤلاء المتنطسين تمادى في تمادى في تحامله , وزاد في غلوائهِ , حتى أتهم تلك النمساتِ الطيبات بارتكاب الجنايات إذ قال:
خطراتُ النسيم تجرحُ خدَّي_هِ ولمسُ الحرير يُدمي بنانَهْ