فغدا شاخِصاً إِليها , مُديماً ... نحوَها نظرةَ الفتى الحَيرانِ
ذلك الأَهوَجُ الخفيفُ المُرائي ... ألقليلُ الثباتِ في كل شانِ
فاضحُ العاشِقينَ , ناشرُ أسرا ... رِ الهوى بينَ كلّ قاصٍ ودانِ
أصبحَ الآنَ بابنةِ الشيَّخ صَبّاً ... مُستهاماً بحُبِّها مُتفاني
عاشِقٌ لا يُرى , ويكفيهِ منها ... أن يَراها في كلّ حالٍ وآنِ
حيُث كانت يكونُ: في البيتِ أو في ال ... رَّوِ , بين النسرِينِ والريحانِ
كلُّ شيءٍ منها يراهُ , فما تخ ... جلُ منهُ وليس بالخجلانِ
همُّهُ كلُّ همِّه أن يراها ... في سرورٍ وغبطةٍ وأمانِ
جاعلاً نفسَهُ كما تشتهي بَرْ ... داً فحرّاً على اختلاف الزمانِ
فإذا اللَّيلُ كانَ ليلَ شتاءٍ ... يَخزُ البرْدُ فيهِ وَخْزَ السِّنانِ
صار حالاً إلى هواءٍ لطيفٍ ... فاترٍ وفْقَ نسبةِ الميزانِ
وإذا اليومُ كان يوماُ شديداً ... يَلذَعُ الحرُّ فيهِ كالنيرانِ
جاَءها كم ذُرى الجبالِ بنفحٍ ... مُنعشِ الرُّوحِ , منعشِ الجثمانِ
وإِذا استَشْعَرَ انقباضاً بها يو ... ماً مضى مُسرعاً إلى البستانِ
وأتاها من الطيورِ الشوادي ... بأرقِّ الأنغامٍ والألحانِ
وإذا الفصلُ كان فصلَ خريفٍ ... وغدا الرَّوضُ مثلَ وجهِ العاني
وخلا خِدْرُها من الزَّهرِ: من ور ... دٍ ومن نرجسٍ ومن أُقحوانِ
سارَ خلفَ الفراشِ في الحقلِ يَجني ... هِ , كما تُجتَنَى زهورُ الجِنانِ
وأتاها منهُ بباقاتٍ حُسنٍ ... مُدهشاتٍ من سائرِ الألوانِ
من عقيقٍ ولا زَوَردٍ وياقو ... تٍ وتبرٍ وأبيضٍ كالجُمانِ
تتجارى في خِدرِها طائراتٍ ... لامعاتٍ الجناحِ كالعقيانِ
وإِذا كان في يدَيها كتابٌ ... دَرْسُهُ مُحوجٌ إِلى الإِمعانِ
وانتهت من تلاوة الوجهِ منهُ ... ثمَّ همَّتْ بدرسِ وجهٍ ثانِ
فتراهُ بنفخةٍ قَلَبَ الوجهَ فلي ... سَتْ تحتاجُ مدَّ البنانِ
ولكم وقفةٌ لهُ ليس تُنسَى ... عندَ ذاك السريرِ ذي الأركانِ
وقدِ استحوَذّ النعاسُ عليها ... وتولَّى الكَرى على الأَجفانِ
يجتلي حُسنَ معصمَينِ أضاءا ... فوقَ مَلمومِ صدرِها الملآنِ
ولكم زَحزَحَ الستارَ , وأدنى ... ثغرَهُ فوقَ ثغرِها الظمآنِ
فرواها كما ارتوى , دون أن تخ ... جَلَ منهُ وليس بالخجلانِ
هكذا عاشَ في هواها زماناً ... ناعمَ البالِ خاليَ الأَشجانِ
حاسباً أنَّ للصفاءِ دواماً ... هل دوامُ الصفاءِ بالإِمكانِ؟
وَدّعِ الحبَّ يا نسيمُ , فقد جا ... َءك خصمٌ أقوى إلى الميدانِ
جاء مَنْ يَخطبُ الفتاةَ فتىً في ... عصرِهِ كانَ أبسطَ الفتيانِ
ما لهُ ميزةٌ على من سواهُ ... غيرُ مالٍ يَفيض كالغدرانِ
غرَّها كثرةُ الحلي , فمالت , ... وقديماً تهوى الحليَّ الغواني
رضِيَتْهُ بعلاً , فيا خيبةَ الآ ... مالِ م ذلك المحبِّ العاني
آهِ! مهما يكُ النسيمُ لطيفاً ... طَيِّبَ النَّشرِ عاطرَ الأردان
كيفَ يَسطيعُ صدَّ مالٍ وجاهٍ ... وحُليٍّ بهيَّةِ اللَّمَعانِ
لَهْفَ قلبي عليهِ! بعد مزيد ال ... عزّ يُمسي في ذلَّةٍ وهوانِ
واقفاً خلفَ كوَّةِ البيتِ يشكو ... بأنينٍٍ كأنَّةِ الثكلانِ
ولهُ كالحَمامِ طوراً هديلٌ ... وفحيحٌ آناً كما الثُّعبانِ