للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومبشِّرٍ بالصلحِ قُلتُ: لعلَّهُ ... خيرٌ , عسى أن تصدقَ الأحلامُ

ترَكَ الفريقانِ القتالَ؛ وهذهِ ... سلمٌ أمرُّ من القتالِ عُقامُ

ينعي إلينا المُلكَ ناعٍ لم يطأْ ... أرضاً ولا انتقلتْ بهِ أقدامُ

برقٌ جوائُبهُ صواعِقُ كلُّها ... ومن البرّوقِ صواعِقٌ وغمامُ

إن كانَ شرٌّ , زارَ غير مفارقٍ ... أو كان خيرٌ , فالمزارُ لمامُ

بالأمسِ أفريقا تولَّت وانقضى ... مُلكٌ على جِيدِ الخضّمِ جُسامُ

نَظَمَ الهِلالُ بهِ ممالِكَ أرَبعاً ... أصبحنَ ليسَ لعِقدِهنَّ نِظامُ

من فتْحِ هاشِمَ أو أُميَّةَ لم يضَعْ ... أساسَها تَتَرٌ ولا أعجامُ

واليومَ حُكْمُ اللهِ في مقدونيا ... لا نقضَ فيهِ لنا ول إِبرامُ

كانت من الغربِ البقيةَ فانقضت ... فعلى بني عُثمانَ فيهِ سلامُ!

أخذَ المدائنَ والقُرى بخناقِها ... جيشٌ من المتحالِفينَ لهامُ

غطَّت بهِ الأرضُ الفضاءُ وجوهَها ... وكست مناكبهَا بهِ الآكامُ

تَمشِي المناكِرُ بين أيدي خَيلهِ ... أنَّى مشَى , والبَغيُ والإِجرامُ

ويحثُّهُ باسمِ الكتابِ أقسَّةٌ ... نشَطُوا لما هوَ في الكتابِ حَرامُ

ومسيطرونَ على الممالكِ سُخِّرتْ ... لهم الشعوبُ كأنها أنعامُ

من كلّ جزَّارٍ يرومُ الصدرَ في ... نادي الملوكِ وجَدَّهُ غنَّامُ

سكّينهُ , ويمينُهُ , وحزامُهُ ... والصولجانُ , جميعُها آثامُ

عيسَى سبيلُك رحمةٌ ومحبَّةٌ ... في العالمينَ وعصمةٌ وسلامُ

ما كنتَ سفَّاكَ الدماءِ ولا امرأً ... هانَ الضعافُ عليهِ والأيتامُ

يا حامِلَ الآلامِ عن هذا الورى ... كُثرتْ عليهِ باسمكَ الآلامُ

أنتَ الذي جعلَ العبادَ جميعَهم ... رَحِماً , وباسمِكَ مرَّتين تُقامُ

كم هاجَهُ صِيدُ الملوكِ وهاجَهم ... وتكافأَ الفرسانُ والأَعلامُ

البغيُ في دينِ الجميعِ دنّيةٌ ... والسلِمُ عَهدٌ والقتِالُ ذِمامُ

واليومَ يهتُفُ بالصليبِ عصائبٌ ... همُ للإلهِ ورُوحهِ ظُلاَّمُ

خلطُوا صليبَكَ والخناجرَ والمُدى ... كلٌّ أداةٌ للأذى وحِمامُ

أوَ ما تَراهم ذبَّحوا جيرانَهم ... بين البيوتِ كأنَّهم أغنامُ

كم مُرضَعٍ في حجْرِ نعمتهِ غدا ... ولهُ على حدِّ السيوفِ فطامُ

وصبيّةٍ هُتكتْ خميلَةُ طهرِها ... وتناثرتْ عن نَورِهِ الأَكمامُ

وأخي ثمانينَ استُبيحَ وَقارُهُ ... لم يُغنِ عنهُ الضّعفُ والأعوامُ

جِريحِ جربٍ ظامئٍ وأدُوهُ لم ... يعطفْهمُ جرحٌ دَمٍ وأوامُ

ومهاجرينَ تنكَّرت أوطانُهم ... ضلّوا السبيلَ من الذهولِ وهاموا

السيفُ , إِن ركبوا الفِرارَ , سبيلُهم ... والنطعُ , إِن طلبوا القرار , مقامُ

يتلفَّتونَ مودِّعينَ ديارَهم ... واللحظُ ماءٌ , والديارُ ضرامُ

يا أمَّةً بفروقَ فرَّقَ بينَهم ... قَدَرٌ تَطيشُ إذا أتى الأحلامُ

فيما التخاذُلُ بينكم , ووراَءكم ... أممٌ تُضاعُ حقوقُها وتُضامُ

الله يشهدُ لم أكن متحزِّباً ... في الرزءِ لا شِيَعٌ ولا أحزامُ

وإذا دعوتُ إلى الوئامِ , فشاعِرٌ ... أقصى مناهُ محبَّةٌ ووئِامُ

من تُضجرُ البلوى فغايةُ جُهْدِهِ ... رُجْعَى إلى الأقدارِ واستسلامُ

لا يأخذَنَّ على العواقبِ بعضُكم ... بعضاً , فقِدْماً جارتِ الأحكامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>