جديداً , فنكص جدُّهُ الباسق ونقص حظّه السابق , فلم يجد بدّاً من أن يدين لسيبيون الجديد الطالع نزولا على حكم الدعر وتقلبات الأيام , فعاد متحسراً متقطعاً إلى وطنهِ , وجعل يسعى في لمّ شعثهِ وإصلاح أحواله , ليصيرَ قادراً على نزال الرومانيين كرةً ثانيةً. ثم وشى بهِ مواطنوه المتلبسون بالجور والاستبداد تشيعاً للرومانيين , ففرَّ إلى المشرق لائذاً بحمى أنطويوخوس الكبير ملك سوريا. ثمَّ لجأ من مداومةِ القتالِ , فتناول سمّاً وقضى بهذا السبب. وهو آخرُ بطل من أبطال عشيرته لأنهم بأجمعهم ماتوا ميتتهُ أحراراً في سبيل هذا القصد المقدَّس , وهو مدافعة التسلُّطِ الأجنبي ومقاومته. ومن الممتنع إيجادُ مظهرِ ضعفٍ في تضاعيف حياة هذا الرجل العجيب المتحلي بكل مزايا المرؤة والعقل والإِقدام. أجل لا يستطاع التماسُ مثلِ هذا الضعف أو هذه النقيصة. ونحن نحاول فيهِ وجود ميل ذاتي كحبّ المال أو الملذَّات أو الطمع أو غيره ولكن لا نجدُ في الرجل إلاّ ميلاً واحداً وهو بغضهُ أعداء وطنه. قد نسب إليهِ تيت ليف المؤرخ الروماني
البخلَ والقسوة ولكن تهمتهُ هذه في غير محلها. نعم إن انيبال قد جمع أموالا طائلة , ولكنه لم يستعملها قط لأغراض ذاتية , وإنما كان يخصصها لدفع رواتب جيشهِ. قلنا إنَّ أهلَ وطنه كانوا قد تركوا نصرتهُ , والجيش المذكور لم يعصَ قط أوامر قائده انيبال , لما له من السطوة والهيبة والحكمة خلافاً لأمثاله من الجيوش المؤلفة من جنود غرباء وعصابات بربرية مختلفة الجنسية والوطن واللغة. وقد