للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حينئذٍ مجهولة المسالك , كأواسط أفريقية الآن , واجتازَ جبالَ البيرينه وجبال الألّب في ثمانينَ ألفَ جنديّ , وقد فقد منهم أكثرَ من خمسين ألفاً في مسيره الشاقّ الشاسع الخارق العادة؛ واستمرَّ سائراً لا تصدُّهُ الصعابُ والعقباتُ المتنوعة اعتقادَ وجوبِ محاربةِ رومه في بلادها , للتمكن من الاستحواذ عليها , إلى أن دخل إيطالية , مشيراً على رومه أتباعها ورعاياها فوثب على القواد الرومانيين واضطرَّهم إلى مزايلة مراكزهم ومعسكراتهم الحصينة ومنازلتهِ , بتظاهرهِ باستصغار شأن بعض القوَّاد , والاستخفاف بقلة شجاعتهم , وبما زيَّن لكبرياء وخيلاء قوم آخرين منهم؛ وما زال بهم حتى ظهر عليهم شيئاً فشيئاً وكاد يكتبهم

ويقهرُهم كافةً , لولا أن تصدَّى له قِرنٌ مكافئ له في الشدّةِ والبأسِ , وهو فابيوس الذي أشار بأنَّ من الواجب أن يُقاوم هذا الجبارُ يس بقوَّةِ السلاح في وقائع حرب لا يطمع منها بالغلبة عليهِ , بل بفضل الثبات الذي هو من فضائل رومه الحقيقية. ولما رأى انيبال غلطهُ بانكالهِ على الغالبين لعدم ثباتهم , وتحقق عدمَ إمكانهِ أخذ رومه ذهب إلى جنوب إيطاليا , وكانت البلادُ ثمَّةَ متمدّنة وحكوماتها متآلفةً من مجالسِ أشرافِ مستبدَّةٍ برعاع الشعب , فخضد شوكة الشرفاء مع كونه شريفاً , وسلّم مقاليدَ الحكومة إلى لشعب , وجعل مدينة كابو عاصمة حكومتهِ , متباعداً نزيها عن الملاهي والملاذّ خلافاً لما توهم أو أوهم كثيرٌ من المؤرّخين , إذ أنهُ لم يكنِ يعرفُ مواردَ الترَفِ والتلذّذ , ولم يذّقْ طعمها في كل حياتهِ. ثم جدَّد نشأةَ جيشهِ وأغناهُ بمسلوبات فتوحِ البلدان. وما منعه خذلانُ أهل وطنهِ إياهُ أن استدعى إليهِ بشعوب الأرض وشبَّ الحربَ في اليونان وآسيا مستثيراً سكان الدنيا قاطبةً لمقاومة الرومان. وما زال مدَّةَ اثنتي عشرة سنة فاتكاً بكلّ جيشٍ روماني يخرُج لقتالهِ , ولهُ من نفسهِ ناصرٌ معين , وهو رابط الجأش , رسوخ القدم في إيطاليا , حتى أنَّ الرومانيين باتوا قانطين من جلائه عن بلاد إيطاليا. ولكن أنى يومٌ نقلوا فيهِ مراكزَ القتالِ ومواقفهُ إلى أفريقية , تحت أسوار قرطجنة , فاستغاثت بهِ مدينته , فخرج يقاتلُ العدو بجيشهِ المتضعضع جيشاً منظماً

<<  <  ج: ص:  >  >>