إلى أحوال النفس أكثر مما ترجع إلى الأحوال الخارجة عنها. فلربما كانت الضحايا فوق مواقدها أسعد من قاتليها. وكم فالح أرض بيديه يقضمُ الكسرة مفروكةً بالنوم أسعدُ بكثيرٍ من موسر متدفق الثروة تكاثفت حولَهُ الهموم. ومن دواعي الأسف أنَّ الحضارة في هذا الزمان خلقت للإنسان جمعاً من الحاجات , ولم تُعطهِ وسائلَ دَفعها , فتولَّدَ من ذلك عدمُ الرضاء في النفوس. قالوا الحضارة بنت الرقيّ. نعم وهي أمُّ الاشتراكية وأمُّ الفوضى. وهما صوتان مربعانِ تصيح بهما جموعٌ قلَّ إيمانها فاستولى اليأس على قلوبها. أين حال الأوروبي الذي تولاّه القلق , وهاجت أعصابهُ وأصبح غير راضٍ بحظهِ , من حال الشرقي الراضي بما قدر له. إنما الفرق بينهما في حالة النفس دون سواها. وإنما يُغيّر الأمة مَن يُغيّر من
تَصوّرها , ويجعلها تفكّرُ وتعمل غيرَ ما عملت. يجبُ على الهيئة أن تسعى في إيجادِ حال عقلية يكون فيها الفرد سعيداً وإلاّ فأجَلُ الأمة قصير. فما قامت الأمم حتى الساعة إلاّ متكئةً على خيال فيهِ قوَّةُ اجتذاب النفوس , وما سقطت واحدة منها إلاّ بزوال سلطان هذا الخيال. من أكبر خطأ هذا الزمان اعتقادُ الناس أنَّ النفس تجدُ السعادة في الأشياء الخارجة عنها. قل أنَّ السعادة فينا ونحن الذين نوجدُها. وشذَّ ما كانت بعيدة عنا. أنّا هدمنا خيال العصر الماضي فصرنا نرى انهُ لا حياة لنا من بعد هذا الخيالو وأنا إذا لم نوفق إلى الاستعاضة عنهُ فأنا هالكون. أكبرُ المحسنين لبني الإنسان الذين يجب على الأمم أن تُقيمَ لهم أفخم التماثيل من الذهب الوهاج , هم أولئك السحَرة القادرون الذين خلقوا لها الخيالات. أولئك يولدون أحياناً بين البشر , ولكنهم لا يولدون إلاّ قليلاً. أقاموا أمامَ سيول الآمال الفانية - وهي الحقائق التي لا قدرة للإنسان على معرفة غيرها , وفي وجه هذه الدنيا العبوس الجامدة - حجاباً من الأوهام القوية فسروا عن الإنسانية , وستروا ما في