للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بواعث الإعجاب والاستحسان تجاه مناظر الكون، بيد أنك في كل ذلك تكون منيطاً طرقك بصفحات الكتاب.

وكأني بك تقول وإذا كان ذلك كذلك فما بقي وراء الشعور وماذا يفيد إذن الوجه المعنوي في الشعر؟ قلت إن أرباب هذه الصناعة أجمعوا على أن هذه المحاكاة المخيلة لا تعد شعراً بأي وجه من الوجه وليس في هذا القول اثنان. فللقريض في الأقاويل الشعرية مزية كبرى. فهو أحق بأن تفرغ فيه المعاني الشعرية السامية والعواطف الرقيقة. وإذا تتبعت ذلك استقراء تدركه من تلقاء نفسك، فإنك إذا أطلقت للقلم العنان في مجال وصف، وأرسلت فيه الكلام إرسالاً يأتي عليك وقت تتقد فيه العواطف اتقاداً وتمتلئ النفس حماساً، وتشعر بضيق نطاق العبارة المرسلة فتهجم عفواً على العبارة المتوازنة المسجعة وهي ضرب من الشعر.

ثم أن القريض من شانه أن يحرك أوتار النفس ويبث فيها ثورة وانفعالاً بمعنى أنه يولد فيها العواطف وينمي فيها روح الجمام والنشاط ويرغبها ويطربها ولقد صدق من قال: إن الشعر أشبه بزمام مجمل يمتلك من النفس ويديرها كيفما شاء.

ومما لا ريب فيه أن للقريض نصيباً وافراً في اللذة التي تخالج أفئدتنا والسهولة التي تخدر

أعصابنا عند تلاوة الشعر أو سماعه. فلولاه لتعذر على أي كان أن يأتي على آخر قصيدة مؤلفة من مئة أو من مئتي بيت فأكثر نظراً لذبول زهرة العواطف وإخماد انفعالات النفس الحماسية التي يستحيل أن تظل مضطرمة. كذلك إن المعاني إذا طالت متتابعة لابد

<<  <  ج: ص:  >  >>