إخوانه الذين ابتلوا بمثل بلواه، وقاسوا من الشدائد ما قاساه. ولولا أنه قد رأى هذا الرأي من قبل ما أقدم على كتابة المعلوم والمجهول فإن في أخلاقه من الدعة والتواضع ما يربأ به عن نشر هذا التاريخ لمجرد التباهي اليوم بما لقيه بالأمس، والافتخار بما نزل به من مظالم العهد الحميدي ولعله أشار إلى ذلك حيث قال:
لا أبالي الثناء ولا أبالي الهجاء، وإنما أبالي أن يصدق فيّ أحدهما
الجزء الثاني من المعلوم والمجهول، كالجزء الأول منه وكلاهما كالصحائف السود صورة مجسمة لنفس ولي الدين. إنني لا أعرف كاتباً أو شاعراً عربياً في يومنا الحاضر أقدر من
صاحب المعلوم والمجهول على تصوير العواطف وتمثيل الشعور. اقرأ له أية قصيدة شئت وأي مقال أردت فإنك تحس أن نفسه تسيل مع ألفاظه وقلبه يتمشى بين كلماته وسطوره. هذه الجمل القصيرة المقطعة التي لا تربطها الواوات والفاآت، ولا تتخللها عنجهية بعض الكتاب وتقعره وتصنعه في الإنشاء، وتثاؤبه في كل جملة من جمله حتى ليتثاءب معها القارئ وتجيش لها النفس، هذه الجمل المنتقاة ألفاظها، والسليم تركيبها، تؤثر في النفوس تأثير السلافة في الرؤوس.
ولقد يقول قائل إن ولي الدين في شعره أسمى منه في نثره، فأرده حينئذ إلى المعلوم والمجهول فأريه ذلك الشاعر الرقيق الحساس، ناثراً ملء قلمه الفصاحة والبيان، وملء تعابيره البلاغة والإيجاز السليم، وملء وصفه للأشياء وللحوادث سلامة الذوق، ونزاهة الفن حتى لكأنه يكتب