وتلوكاً رسمَه لفاقده ... مصوراً بالجراح في الخلدِ
لا أنكرت روحك التي أمنت ... ما فارقت من مخاوف الجسدِ
وبينما كان الشاعر ينظم هذه الأبيات الرقيقة إذا استوقفت قلمهُ ألحان محزنة تصدح بها موسيقى كانت سائرة في الطريق , فإذا هو بجنازة تسير خلف طبل من عمره. فأثر هذا الموكب الكثيب السائر على نغمات الموسيقى المفجعة في نفس الشاعر وهو لا يعرف ذلك الفتى المتوفى فقال: وهذا يأخذ حصتهُ في الطريق , وكتب فيهِ الأبيات التالية:
مشهدٌ سُيّر في طبل وبوقِ ... عظةٌ جُنَّت فغنَّت في الطريقِ
عِظة الموت وما عهدي بها ... أن تزفَّ النعش في تدليل سوقِ
لا ولا عهدي بها خاطبةً ... عن ثغور من نحاسٍ وحلوقِ
ويح تلك القطع الصفراء في ... صوتها حسُّ جراحٍ وحروقِ
من ترى علمها ما مزجت ... من وجيفٍ وعويل ونعيقِ
ألقت الفجعة فاستولت على ... كل سمعٍ وأجفّت كل ريقِ
تلك شكوَى عن فؤاد ثاكل ... صاخب الآلام رنّان الخفوقِ
يا أباً يبكي ابنهُ ملتمساً ... ذلك التنبه للحس الصعيقِ
واضحٌ عذرك مهما تفتنن ... للعدوّ الصلب والخدن الرفيقِ
آه من نار الجوى فهي التي ... تفجر البركان من قلب رقيقِ
آه من صدع النوى فهو الذي ... يرسل الأحزان كالسيل الدفوقِ
أن تذيبوا هكذا أكبادنا ... يا بنينا فالردى أقسى العقوقِ
خليل مطران