جرحاً قديماً لا يرجى شفاؤه ولكنها تزيده ألماً ومن أحسن ما ورد في الكتاب وصف الأماكن التي زارها المؤلف ووصف معيشة القرويين في سذاجتها الطبيعية حتى إنكَ إذا قرأتَ وصف الجبال والأودية وبزوغ الشمس ومغيبها , وظلال الصخور وأغصان الأشجار وخضرة الوادي وخرير الماء وهبوب النسيم وتغريد الأطيار وشذا الأزهار , تظن أنك انتقلتَ بالفكر إلى المكان الذي يصفهُ وكأنك تشاهده بعينك. وهي لا شك مقدرة للكاتب يحمد عليها وفي الكتاب مباحث فلسفية دقيقة تدلّ على ذكاء خارق وذهن متوقد , وسعة اطلاع , وإلمام بأكثر الفنون القديمة والعصرية , حتى لترى المعاني تسطع متقطعةً كوميض البروق فتبهر البصر بشدة لمعانها ثم تضمحلّ بسرعة فيعقبها ظلام دامس. بل هي شرر النار المتطاير من حديد محمي إلى البياض تحت مطرقة الحدَّاد. تراه ينبعث في كل مكان ثمَّ يختفي بمثل السرعة التي ظهر بها. ذلك أنهُ لا يرمي إلى غاية واحدة بل ينتشر في كل جهة ثم يندثر فلا تدري ما العلاقة التي كانت بين
مصدره ومرجعه ولا مشاحة في أن المؤلف شاعر أكثر مما هو كاتب. وقد بلغ بهِ الخيال إلى الحلم فيرى أنا المستقبل سينشئ دولة عربيةً في سوريا تجعلها بهجة الدنيا. وهو حلمٌ لذيذ نتمنى أن يصير حقيقةً ولكن بينهُ وبينها مراحل حتى الآن لا يبلغها إلاَّ الوهم. ومن المؤكد أن المؤلف قد استفاد كثيراً من الغربيين أدباً وعلماً وفلسفةً ولكن الفطرة الشرقية لم تزل شديدة فيهِ وهي التي تجعل الأمل يقوم عندنا موضع العمل. وهذا ما جعل