وخرجت مرة حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه الطريق. فلم أرد أحداً، فأجريت فرسي يميناً وشمالاً، وإذا أنا بفارس فلما دنا مني فإذا هو غلام حسن، نبت عذاره، من أجمل ما رأيت من الفتيان وأحسنهم. وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة. فلما قرب منسي سلم علي، فرددت عليه السلام وقلت: من الفتى؟ - قال: الحارث بن سعد فارس الشهباء - فقلت: خذ حذرك فإني قاتلك - فقال: الويل لك، فمن أنت؟ - قلت: عمرو بن معدي كرب الزبيدي - قال: الذليل الحقير، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك
فتصاغرت نفسي يا أمير المؤمنين، وعظم عندي ما استقبلني به. فقلت: دع هذا، وخذ حذرك، والله لا ينصرف إلا أحدنا. - فقال: ثكلتك أمك، فأنا من أهل ما أثكلنا فارس قط - قلت: هو الذي تسمعه - قال: اختر لنفسك، فإما أن تطرد لي، وإما أن اطرد لك فاغتنمتها
منه وقلت: اطرد لي فاطرد وحملت عليه، فظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه، فإذا هو صار حزاماً لفرسه، ثم عطف علي، فقنع بالقناة رأسي وقال: يا عمرو خذها إليك واحدة ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك.
فتصاغرت نفسي عندي، وكان الموت يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيت. فقلت: والله لا ينصرف إلا أحدنا فعرض علي مقالته الأولى، فقلت له: اطرد لي فاطرد، فظننت أني تمكنت منه فاتبعته