أهذا الذي يطلب منهُ أن يكون أسير اصطلاح وعبد لفظة ورقيق أوضاع سبق الاتفاق عليها خرج شكسبير عن ذلك الطوق ونعمًّا فعل. ولو أبقاه في عنقهِ لما اشرأبَّ صعداً إلى مناجاة أجرام السماء , ولا أطاق الإِكباب إلى أبعد أغوار الأسرار في الطبائع البشرية من ذلك المنجم العظيم نجمت عطيل وهي إحدى آيات مستخرجاته ولما كنت أعهده فيها من نادر المزايا وجدتُ من كلفي بها معواناً على معاناة تعريبها
فأما من جهة التعريب فأقول أن في نفس شكسبير شيئاً عربياً بلا منازعة وهو أبين فيها مما بان في نفس فكتور هوجو. أقرأ لغتنا أم نقلت إليهِ عنها بعض المترجمات الصحيحة؟ لا أعلم. ولكن بينه وبيننا من وجوه متعددة مشاكلة محيرة , فإن عنده مثلما عندنا جرأة على الاستعارة وذهاباً بضروبها في كل مذهب , وله مثل ما لنا كلفٌ بالتنقل الوثبي من غير تمهيد ولا استئذان يدفعك من القصد إلى القصد وشيكاً وعليك أن تتمهل في فكرك وتجد الرابطة , وبهِ مثل ما بنا من الهيام في المبالغة التي لا يقبلها من الكاتبين ولا يعقلها من القارئين إلاَّ الذين في تصوُّرهم حدَّة وجماح كما يكون عادة عند الشرقيين وخصوصاً عند العرب. وعلى الجملة ففي كل ما يكتبهُ شكسبير شيء من روح البداوة قوامه الرجوع الدائم إلى الفطرة الحرة تناولتُ الرواية لأعرّبها وكأنني أنوي ردّها إلى أصلها كما رددتُ اسم عطيل وقبل أن أشرع فيها تفكرت في الأسلوب الذي اختاره لها أهو ذلك الأسلوب المخرّق الذي تشف الفصاحة فيه عن رقع العامية؟ لا وأفأً لا فتا لله لو ملكتُ تلك العامية لقتلها بلا أسف ولم أكن بقتلي إياها إلاَّ منتقماً لمجد فوق كل مجد ,. نزلتْ من هيكله الذهبي الخالص
الرنان منزلة الرجلين الخزفيتين القذرتين فهو فوقهما متداعٍ وبهما مشوَّه , منتقماً لأمة كسرت العامية وحدتها وكانت عليها أكبر معوان للتصاريف التي مزَّقتها في الشرق والغرب كل ممزق ,