وخصومه السياسيون أنفسهم يشهدون له بخفة الروح. وفد لا تفارق الابتسامة ثغره - كما ترى في رسمهِ الذي أمامك - وهي غالباً ابتسامة استهزاء من كل شيء. . عثرنا في بعض أعداد الأخبار على مقالة نعتقد أن الشيخ قد كتب مقدَّمتها وهو أمام المرآة يصوّر نفسه إذ قال لي صديقٌ شاذُّ الأخلاق , غريب الأطوار قلما يتفق رأيهِ , مخالفاً للجمهور في حكمهِ. وليس السبب في ذلك اعتاد معظم
الناس أن ينظر إليها منهُ , فيكشف أموراً جديدة قد تخفى على الآخرين , وهو يعبّر عنها تعبيراً فكهاً لا يخلو من نكتةٍ تسرُّك فتجعلك تضرب صفحاً عن شذوذه وغرابة أطواره لاسيما وأنهُ بعيدٌ عن المكابرة فلا يحاول أن يقنعك بصواب رأيهِ بل يقول هذا رأيي والسلام وصاحبنا مزيجٌ من التعصب والتسامح بل هو بوجه عام شديد التعصب لمذهبهِ فلا يخط حرفاً إلا تأييداً لهذا المذهب أو انتقاداً للمذهب المخالف , وإن كان ذلك لا يظهر لأوَّل وهلةٍ في جريدتهِ التي أباح أعمدتها لكل المذاهب. ومن رأي السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار أن خطة الأخبار تظهر في ما تختاره من أقوال الصحف أكثر مما تظهر في مقالاتها الخاصة. وقد أثَّت أخلاق الرجل في أسلوب الكاتب أي تأثير حتى صحَّ فيهِ قول بوفون الكتابة هي الرجل فجريدته هي صورته المعنوية وهو شديد الولع بها فقد ضحى لأجلها في مراكز عديدة عُرضت عليه وأنفق في سبيلها حتى اليوم ستة آلاف جنيه من ثروتهِ. وهو كثير التأني في كتابتهِ شديد الحكم على إنشائهِ , يكتبُ ويشطب ويشذّب ويمزّق كثيراً قبل أن يدفع إلى الطبع مقالة لا تتجاوز العمود فهو من هذا القبيل أقلّ الصحافيين مقدرة على سدّ الفراغ , على أن مقالته تخرج بعد ذلك موسومةً بسمتهِ الخاصة فتُعرف بهِ ويشاركه الآن في تحرير الأخبار توفيق أفندي حبيب , ومقالاتهُ لا تخرج عن دائرة التعليق على الحوادث اليومية بأسلوب فكاهي لذيذ لا يخلو غالباً من