وجه المياه. تفاصيل غرقها - وقد عرفها القرّاء - مما تقشعرّ له الأبدان؛ وتصوُّر الفاجعة التي حدثت في وسط الأوقيانس , بين الماء والسماء , مما تنخلع له القلوب. لا أحاول إعادة ما رددتهُ الصحف عن عظمة تيتانيك وهول نكبتها؛ بل أنا ذاكرٌ للقراء بعض خواطر دوّنتها لهم: تيتانيك نسبة إلى التيتان , وهم , في خرافات الأقدمين , طائفة من الجبابرة تمرّدوا على جوبيتر فصعقهم صعقاً. وكأن الإنسان الذي توصل بقوة ذكائه إلى تذليل القوى الطبيعية , فسخّر لخدمته الماء والهواء وسائر العناصر , قد غالى بفوزه , فأحبَّت الطبيعية أن تنتقم لنفسها: جبل من الجليد انفصل عن البحّار المتجلدة وصدم تلك الباخرة فذهب بها وبمن عليها , فيا لله من انتقام الطبيعية! وقد كان بين ضحايا هذه الفاجعة رجل من أبناء سوريا هو المرحوم إبراهيم المشعلاني. أخصُّهُ بالذكر لأنه كان يتولى إدارة الجريدة التي كانت تصدر في الباخرة يومياً , وتتلقى أخبار العالم بالتلغراف اللاسلكي. غريبٌ في السوريّ هذا الميل إلى الصحافة أينما حل وحيثما وُجد. ولا أُغالي في قولي أنهُ إذا كان في العالم الثاني جرائد ومجلات سيكون كتابها في الجنة وفي الجحيم من أبناء سوريا
حافظ بك إبراهيم
هطلت في الأسبوع الماضي على موظفي الحكومة مزنُ الألقاب والرتب السنوية , فأصابت الرتبة الثانية الشاعر الكبير حافظ إبراهيم , وكيل الكتبخانة الخديوية. فأصبح حافظ عزتلو بك. ولا تسل عن فرح الشعراءِ وزمرة الأدباء , فإنهم استبشروا بهذا الإنعام , وباتوا يؤملون من ورائه خيراً وأيقنوا أن أدبهم سيرفعهم يوماً إلى أعلى المناصب والرتب , بعدما كان عليهم مجلبةَ شقاءٍ ونصَب. لا اعتراض لي على هذا الأنعام الذي صادف محله
كما تقول الصحف عادةً. بل أني اثني مع المثنين على حكومتنا الخديوية التي أخذت تقدر الأدباء قدرهم. وسألبي الدعوة التي جاءتني من سليم سركيس وداود بركات إلى الاحتفال الذي سيقيمه في الكونتيننتال جمهورٌ من أدباء وادي النيل برئاسة شوقي بك إكراماً للشاعر إليك. غير أنني