الله. وإنما يجحد مثال الجمال الكامل من لا يستطيع أن يكون مثال الحب الكامل وإذا كانت قد علاها الصدأ فكيف يعلوها الوجه الجميل. وكيف تخلص إلى روحك من طين هذه الكأس الزجاجية المرآة الصدئة نشوة الجمال ولو سكبت فيها حور الجنة كل ما في خدودها. ولقد قيل أن قوماً من العرب ترحَّلوا عن بعض منازلهم فكان من أنْسائِهم قطعة مرآة صقيلة كأنها وجه المليحة التي نسيتها فمرت بها ضبع كأشأم ما خلق الله قبح طلعة وجهامة منظر حتى كأن في وجهها تاريخ الجيف التي اغتدت بها. فوقفت عليها تعجب من إشراقها وسنائها وما كادت تنظر فيها حتى راعها وجهها ولا عهد لها برؤيته من قبل لأن الله رحيم ومن رحمته أن لا تعرف الوحوش أنها وحوش وأن لا تجد أسباب هذه المعرفة. فانقبضت الضبع وزَوَت وجهها وقالت: من شرٍّ ما اطَّرحك أهلك أيها المرآة. . .! فجمال هذه الضبع الذي جحدته المرآة كما يجحد الكافر رحمة الله وحسنها الذي أحالته قبحاً كما يُحيل الطبع اللئيم كل حسنة تتصل به هما أشبه شيء بالعقل والقلب في المحب الأخرق الذي يحب بحواسه فتجوع روحه وتشبع وتعتلّ بالتخمة أيضاً. . . وكم في الناس
من مثل هذه الضبع وكم في الحسان من مثل تلك المرآة. ما أحسب الإحساس إلاَّ نكتة صافية في القلب تقابل نكتة العين التي يكون بها البصر فكل ما انطبع في هذا انطبع في تلك لكي تكون الروح بين مرآتين فيسهل عليها أن تدرس الحقيقة بالمقابلة فإذا نزل الشاعر الحسَّاس بروضة غناء أحسَّ بقلبه كأنما يخضرُّ بعد يُبس. وإذا أطلَّ في الغدير الصافي أحسَّ بمعنى الماء ينصبُّ في عروقه. وإذا نظر إلى وجه الجميلة الحسناء فلماذا لا يحس أن قلبه امتلأ جمالاً حتى كأنهُ لا يعشق إلا شيئاً في نفسه. بلى وأكثر من ذلك فإن الشاعر ليكتب عمن يحبها فيرى كأنه ينفخ في كل