القديمة الذين لا يزال التاريخ يردد أعمالهم العظيمة وأقوالهم المأثورة. وقد بلغ حب الوطن عندهم مبلغاً لم يبلغ إليهِ سواهم حتى أنهم جعلوا هذه الفضيلة في مقدمة الفضائل التي يتحلى بها المرء وبها يفاخر. وما هذه الحادثة التي نرويها اليوم إلا واحدة من تلك الحوادث المدهشة التي يتألف منها تاريخ رومة الجمهورية ورومة القياصرة.
كان ريجلوس هذا قنصلاً لرومة سنة ٢٥٣ ق م. وكان زمام الجمهورية الرومانية في ذلك العهد في يد قنصلين يديران شؤونها. وكانت رومة على أيام قنصلية ريجلوس في حربها الأولى مع قرطجنة. فتولَّى ريجلوس قيادة الجيوش. وبعد أن انتصر على الأعداء في موقعة إكنوم البحرية تمكن من النزول بجنوده إلى ساحل أفريقيا حيث ظلَّ النصر محالفه حتى افتتح مدن الشاطئ ووصل إلى مدينة تونس فشدَّد عليها الحصار. ولما أنس من الأعداء ميلاً إلى عقد الصلح وضع لهم من الشروط القياسية ما لم يسمعهم معهُ قبول السلم. وكان أن أتتهم من بلاد اليونان نجدة بقيادة القائد كسانتيبوس. فخرجوا على الرومانيين واشتبك القتال بين الفريقين فوقع ريجلوس أسيراً بين أيديهم. وظل في الأسر سنتين كاملتين. ثمَّ إن القرطجنيين أفرجوا عنهُ , وأرسلوه إلى رومة ليفاوض حكومتها بشروط الصلح وبأمر تبادل الأسرى , بعد أن أخذوا عليهِ الأيمان المحرّجة أنهُ يعود إلى أسره إذا هو لم ينجح في ما هو مطلق لأجله.