وما عهد هذا الخراب ببعيد: ثمانية عشر يوماً تنقضي فيقضي علينا بالهلاك حريقاً أو غرقاً أو تسمماً - كما يزعم البعض. وذلك لأن مذنب هاللي يمسنا بذنبه فيكتسح عالمنا في
الفضاء كما تكتسح المكنسة حبة الرمل. . . ما اغرب طبع الإنسان. كل شيء غير منتظر يولد فينا الخوف واليأس بدل الفرح والأمل: سر في طبع الإنسان لا أعرف فك رموزه. والخوف من ظهور المذنبات قديم العهد تجده في أشعار فرجيل وفي كتابات غيره من الأقدمين. وها أن قلوب الأكثرين قد هلعت لقرب ظهور مذنب هاللي. ففي إسبانيا ساد الرعب واستولى القنوط على القوم، وفي الصين ثار الشعب وهاج وأخذ يفتك بالأجانب ويسلب وينهب. وفي النمسا خافوا خوفاً فلسفياً فباعوا أملاكهم وأخذوا ينفقون أثمانها على إقامة الأفراح والمسرات لتوديع هذه الحياة. ولعمري أن هذا النوع من الخوف يفضل سواه بكثير. ولقد ذكرني ذلك برسالة كتبها فولتر في مثل هذه الأيام منذ مئة وسبه وثلاثين سنة، وكان الباريسيون ينتظرون ظهور المذنب الذي ننتظره اليوم. فضحك كعادته ضحكاً يرن صداه في أذني الآن. فأقهقه معه لأن الضحك يجلب الضحك ألا تضحك معي أيها القارئ. . .؟ وإذا قضى علينا المذنب فنموت ضاحكين مسرورين
وإذا لم يكن من الموت بدٌّ ... فمن العجز أن نموت حزانا