للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السيف والقلم والمحراث

كان محمد توفيق أفندي علي ضابطاً في الجيش المصري وهو شاعر من أكابر الشعراء فكان إذا خلا لنفسه من مهام الجندية استيقظ الشاعر الرقيق في صدر الجندي الباسل , وحلّ القلم في يمينه محل السيف فنظم تلك الدرر التي كان يهديها إلى الزهور ففي السودان آثر جنديته وفي الزهور آثار شاعريته. ولقد جاءنا منه أنه استعفي من الجيش وانقطع إلى مزرعة له مؤثراً صحبة المحراث على صحبة السيف والقلم فكتبنا إليه نستطلع أمره فكان جوابه أبيات الآتية:

لا السيفُ في مصر يرضيني ولا القلمُ ... كلاهما في يمين الحرِّ منثلمُ

جرَّدتُ سيفي وأقلامي وبي أملٌ ... واليومَ أغمدُها يأساً وبي ألمُ

نُريد بي الدهر لا تمَّتْ إرادتهُ ... ذلاًّ وفقراً ويأبى العزُّ والكرمُ

سأصرفُ العمرَ حُرّاً لا يقيّدُوني ... إلاّ التقى والنهى والمجدُ والشممُ

وأطلبُ المالَ لا زهواً ولا سرَقاً ... فإنما المالُ في أهل النهى ذممُ

وخيرُ ما يَقتني المصريُّ مزرعةٌ ... يشقى بها الفأسُ والمحراث والنَّعمُ

باللهِ يا سيفُ هل ضُمَّت عليك يدٌ ... في الرّوع مثلُ يدي والهولُ يحتدمُ

وهل سواي فتىً زانتك صحبتهُ ... يغشى بك الموتَ مختالاً ويقتحمُ

ألستَ كنت ترى جقَّ الرئاسة لي ... إن راحَ يخفقُ فوق الفيلقِ العلمُ

لكنَّ للدهرِ جيشاً من حوادثهِ ... إذا رآنيَ ولّي وهو منهزمُ

ويا يراعيَ أنَّ الصمتَ من ذهبٍ ... لا يسمعون وفي آذانهم صممُ

قد يسجنُ البلبلُ الغرّيد في قفصٍ ... وينعب لبومُ في الآفاقِِ والرّخمُ

للهِ بهجةُ حقلي ما يماثلها ... في حسنها السيفُ مصقولاً عليهِ دمُ

ويا سطوراً بمحراثي أدبجها ... لا يستقلَّ بها القرطاسُ والقلمُ

تفتّح الزهرُ منها عن مباسمهِ ... وراح يرتع فيها مقلةٌ وفمُ

هذا هو الخير معسولاً مواردُهُ ... هذا هو العيشُ إلاّ أنهُ حُلمُ

محمد توفيق علي

<<  <  ج: ص:  >  >>