ساكن ذكراك , وجعلتك تتنزي تنزي الأطيار وقد رابها شبحا الصياد. أيها القلب الشجي! ما هي إلاَّ دمعة الألم تعقبها ابتسامة الأمل , وما هي إلاَّ ذكرى الماضي يشوبها رجاءٌ ضعيف في المستقبل , بل ما هو إلاَّ الحال وكأنه فردوس من حلو الأماني وسط سياج من مرّ الواقع , بل ما هو إلاَّ اليأس المميت قد كاد يرديك. فأخفق أيها القلب واضرب ضربات الحياة , ولكن حياة الإِباء حياة الأمل , أو فاسكن سكون الموت سكون العدم سكون الفناء , بل اسكن الرمس وعليك في الحالتين سلام. أيتها الذكرى! أنتِ يا بنت الم , وشقيقة الأمل. تسكنين مسارح الخيال , وتعشقين حفيف الأشجار , وتغريد الأطيار؛ تتخللين النغمات وتلازمين النفحات؛ يحتويك خرير الماء ويحملك نسيم الخلاء , فكأنكِ الشعر في صوره وجمال الطبيعة في أبهى مظاهرهِ. أمرجعةٌ أنتِ عهداً سجلتهُ أيدي الوفاء , ومحتهُ أكفُّ الجفاء؟ عهداً تذكره الأطيار في أوكارها والكواكب في بروجها؟ تتحدث بهِ الظباء في مسارحها والآساد في آجامها؟ عهداً أشهد عليهِ الغدير والماء السلسبيل , والأطيار والأقمار , والمغرب والمشرق , والشمال والجنوب , والزهور والرياحين , ونهر المجرة وتباشير الصباح؟ كلا أيتها الذكرى فما أنتِ بمرجعة الماضي , ولا مكررة صورَ الحياة:
أقصر فؤادي فما الذكرى بنافعة=ولا بمرجعة بعضَ الذي كانا