جمال الطبيعة؛ أكانت الطبيعة تنقطع إلى شهوده , فتجدهُ مظهراً من مظاهرها الجميلة , وتكاشفهُ , فتفيض أسرارها الغامضة على لسانه؟ بلى! وأنهُ لسانٌ ناطق للطبيعة , فقد كان مرأى الأزهار يؤثر فيهِ , وخطرانُ
الغصون الميس يعبث بلبّه , فيحملهُ على أن يقول:
يا بانة الجزعِ , لا والنازلين بهِ , ... ما كنتِ عارفةً لولاهمُ الهيفا
ويقول:
مالتْ فقلتُ لها يا بانةُ اعتدلي ... وإن جُبلت على التعطافِ والميَلِ
ويقول:
وذكرت في ذي البان ميسَ قدودِهم=فطفقتُ من شغفٍ أضمّ غصونَهُ
ويظهر من لهجتهِ في شعره , إنهُ كان شديد التمسك بمبدإهِ الحب تمسكاً يمثّل له أن الهلاك والحيرة منجاة وهدًى فيهِ , وإن طغيانه عليهِ عدل وإنصاف تلزم معهما الطاعة. فتراه يقول:
منَح الصبابةَ أضلُعاً وفؤادا ... وعصتُهُ سلوة مُقصرٍ فتمادى
وطغى عليهِ الحبُّ وهو أميرهُ ... فأطاعَ جامح قلبه وانقادا
وربما أصيب , كدأب الحائرين من هذه الطائفة المعذبة , بمن لا عاطفة , بل لا قلب له , فيطعن في سلوكهِ , فيضطران أن يواجه هؤلاء بمثل قوله:
يا عاذِليَّ في الهوى تورَّعوا ... واطَّرِحوا نفسي ومَن تيَّمها
قالوا الغرام مهلكٌ قلتُ لهم ... ما عيشتي إن لم أكن مغرمَهَا
وقوله:
يا لائميَّ ليومَ في حُبّهِ ... مهلاً فما شانكما شأني